الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
بِالْقَصْرِ، وَأَلِفُهُ بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ وَيُكْتَبُ بِهِمَا وَبِالْيَاءِ، وَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي الْمُصْحَفِ بِالْوَاوِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: لِأَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ تَعَلَّمُوا الْخَطَّ مِنْ أَهْلِ الْحَرَّةِ وَلُغَتُهُمْ الرَّبْوُ، فَعَلَّمُوهُمْ صُورَةَ الْخَطِّ عَلَى لُغَتِهِمْ، وَيُقَالُ فِيهِ الرِّمَاءُ بِالْمِيمِ وَالْمَدِّ، وَهُوَ لُغَةً: الزِّيَادَةُ. قَالَ تَعَالَى: {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} أَيْ زَادَتْ وَنَمَتْ، وَشَرْعًا: عَقْدٌ عَلَى عِوَضٍ مَخْصُوصٍ غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ حَالَةَ الْعَقْدِ أَوْ مَعَ تَأْخِيرٍ فِي الْبَدَلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ زِيَادَةِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، وَرِبَا الْيَدِ، وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ تَأْخِيرِ قَبْضِهِمَا أَوْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا، وَرِبَا النَّسَا وَهُوَ الْبَيْعُ لِأَجَلٍ، وَزَادَ الْمُتَوَلِّي رِبَا الْقَرْضِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ جَرُّ نَفْعٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُمْكِنُ رَدُّهُ لِرِبَا الْفَضْلِ. وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَآيَةِ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ {لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِّلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَهُ} وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ {دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ ابْنُ آدَمَ أَشَدُّ عِنْدَ اللَّهِ إثْمًا مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً} وَفِي صَحِيحِ الْحَاكِمِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لِلرِّبَا سَبْعُونَ بَابًا أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ} وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: حَتَّى قِيلَ إنَّهُ لَمْ يَحِلَّ فِي شَرِيعَةٍ قَطُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} يَعْنِي فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ. فَائِدَةٌ: رَوَى السُّبْكِيُّ وَابْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَأَيْتُ رَجُلًا سَكْرَانَ يَتَفَاقَزُ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ الْقَمَرَ بِيَدِهِ فَقُلْتُ: امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كَانَ يَدْخُلُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ أَشَرُّ مِنْ الْخَمْرِ، فَقَالَ: ارْجِعْ حَتَّى أَتَفَكَّرَ فِي مَسْأَلَتِكَ فَأَتَاهُ مِنْ الْغَدِ فَقَالَ: امْرَأَتُكَ طَالِقٌ، إنِّي تَصَفَّحْت الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا أَشَرَّ مِنْ الرِّبَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ فِيهِ بِالْحَرْبِ: أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يَتَّجِرْ فِي سُوقِنَا إلَّا مَنْ فَقِهَ أَكْلَ الرِّبَا. وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ اتَّجَرَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّهَ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا ثُمَّ ارْتَطَمَ ثُمَّ ارْتَطَمَ أَيْ وَقَعَ وَارْتَبَكَ وَنَشَبَ،. إذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إنْ كَانَا جِنْسًا اُشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالْمُمَاثَلَةُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، أَوْ جِنْسَيْنِ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ جَازَ التَّفَاضُلُ، وَاشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ، وَالطَّعَامُ مَا قُصِدَ لِلطُّعْمِ اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا
الشَّرْحُ: وَالْقَصْدُ بِهَذَا الْبَابِ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ وَمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ (إذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إنْ كَانَا) أَيْ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إنْ كَانَ (جِنْسًا) وَاحِدًا كَبُرٍّ وَبُرٍّ (اُشْتُرِطَ) فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ (الْحُلُولُ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ (وَالْمُمَاثَلَةُ وَالتَّقَابُضُ) لَهُمَا (قَبْلَ التَّفَرُّقِ) وَلَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ (أَوْ) كَانَا (جِنْسَيْنِ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ جَازَ التَّفَاضُلُ وَاشْتُرِطَ) أَمْرَانِ (الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ) لَهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ: {الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ} أَيْ مُقَابَضَةً. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَمِنْ لَازِمِهِ الْحُلُولُ: أَيْ غَالِبًا وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ فَلَا تَكْفِي الْحَوَالَةُ وَإِنْ حَصَلَ الْقَبْضُ بِهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَيَكْفِي قَبْضُ الْوَكِيلِ فِي الْقَبْضِ عَنْ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ، وَكَذَا قَبْضُ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فَقَبَضَ سَيِّدُهُ أَوْ وَكِيلًا فَقَبَضَ مُوَكِّلُهُ لَا يَكْفِي. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا فِي الْمَطْعُومَاتِ فَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: الطُّعْمُ مَعَ التَّقْدِيرِ فِي الْجِنْسِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فَلَا رِبَا فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ كَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ، وَفِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْعِلَّةُ الطُّعْمِيَّةُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الطُّعْمُ وَإِنْ لَمْ يُكَلْ وَلَمْ يُوزَنْ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ ذَلِكَ عَلَى الطَّعَامِ وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ، وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيقِ بِمَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ (وَالطَّعَامُ مَا قُصِدَ لِلطُّعْمِ) بِضَمِّ الطَّاءِ مَصْدَرُ طَعِمَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ أَكَلَ غَالِبًا. وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ أَظْهَرُ مَقَاصِدِهِ الطُّعْمَ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا نَادِرًا كَالْبَلُّوطِ وَالطُّرْثُوثِ، وَهُوَ نَبْتٌ يُؤْكَلُ وَإِنْ لَمْ يُكَلْ وَلَمْ يُوزَنْ كَمَا مَرَّ (اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا) كَمَا تُؤْخَذُ الثَّلَاثَةُ مِنْ الْخَبَرِ السَّابِقِ، فَإِنَّهُ نَصَّ فِيهِ عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا التَّقَوُّتُ، فَأُلْحِقَ بِهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا كَالْأُرْزِ وَالذُّرَةِ وَعَلَى التَّمْرِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّفَكُّهُ وَالتَّأَدُّمُ فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالتِّينِ وَالزَّبِيبِ وَعَلَى الْمِلْحِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِصْلَاحُ فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْمُصْطَكَى بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْقَصْرِ وَالسَّقَمُونْيَا وَالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ وَالزَّنْجَبِيلِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُصْلِحُ الْغِذَاءَ أَوْ يُصْلِحُ الْبَدَنَ، فَإِنَّ الْأَغْذِيَةَ لِحِفْظِ الصِّحَّةِ وَالْأَدْوِيَةَ لِرَدِّ الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الدَّوَاءَ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ الطَّعَامُ فِي الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَنَاوَلُهُ فِي الْعُرْفِ الْمَبْنِيَّةُ هِيَ عَلَيْهِ، وَلَا رِبَا فِي حَبِّ الْكَتَّانِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَدُهْنِهِ وَدُهْنِ السَّمَكِ لِأَنَّهَا لَا تُقْصَدُ لِلطُّعْمِ، وَلَا فِي الطِّينِ غَيْرِ الْأَرْمَنِيِّ كَالْخُرَاسَانِيِّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْكَلُ سَفَهًا وَلَا فِيمَا اخْتَصَّ بِهِ الْجِنُّ كَالْعَظْمِ أَوْ الْبَهَائِمِ كَالتِّبْنِ وَالْحَشِيشِ وَالنَّوَى أَوْ غَلَبَ تَنَاوُلُهَا لَهُ وَإِنْ قَصَدَ لِلْآدَمِيِّينَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. أَمَّا إذَا كَانَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ، فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُ الرِّبَا فِيهِ، وَلَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَجَازَ بَلْعُهُ كَصِغَارِ السَّمَكِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لِلْأَكْلِ عَلَى هَيْئَتِهِ. وَقَدْ اشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ بِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ قَصَدَ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا رِبَا فِيمَا يَجُوزُ أَكْلُهُ، وَلَكِنَّهُ لَا يُقْصَدُ كَالْعَظْمِ الرَّخْوِ وَأَطْرَافِ قُضْبَانِ الْعِنَبِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا الْجُلُودُ كَمَا قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: أَيْ الَّتِي لَمْ تُؤْكَلْ غَالِبًا بِأَنْ خَشُنَتْ وَغَلُظَتْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ تَدَاوِيًا الْمَاءُ الْعَذْبُ، فَإِنَّهُ رِبَوِيٌّ مُطْعَمٌ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} بِخِلَافِ الْمَاءِ الْمِلْحِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ، وَأَوْرَدَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْحَلْوَى. قَالَ فِي الْغُنْيَةِ: وَهُوَ غَلَطٌ صَدَرَ عَنْ ظَنٍّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَفَكُّهًا الْفَاكِهَةُ الَّتِي هِيَ الثَّمَرُ، وَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ الْأُدْمَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْأَيْمَانِ، وَاسْتَشْكَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، لِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا إلَى اللُّغَةِ اتَّحَدَ الْمَوْضِعَانِ، أَوْ إلَى الْعُرْفِ، فَأَهْلُهُ لَا يُسَمُّونَ الْفَاكِهَةَ وَالْحَلْوَى طَعَامًا، وَيُمْكِنُ دُخُولُ الْأُدْمِ فِي التَّفَكُّهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ جَمَعَهُمَا اسْمٌ خَاصٌّ مِنْ أَوَّلِ دُخُولِهِمَا فِي الرِّبَا يَشْتَرِكَانِ فِي ذَلِكَ الِاسْمِ بِالِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ كَالتَّمْرِ الْمَعْقِلِيِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ نَوْعٌ مِنْ التَّمْرِ مَعْرُوفٌ بِالْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا مَنْسُوبٌ إلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْبَرْنِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: هُوَ ضَرْبٌ مِنْ التَّمْرِ أَصْفَرُ مُدَوَّرٌ وَاحِدَتُهُ بَرْنِيَّةُ وَهُوَ أَجْوَدُ التَّمْرِ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَأَنْوَاعُ التَّمْرِ كَثِيرَةٌ جِدًّا. قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ فَدَخَلَ بَعْضُ أَصْدِقَائِي فَقَالَ كُنَّا عِنْدَ الْأَمِيرِ فَتَذَاكَرُوا أَنْوَاعَ تَمْرِ الْمَدِينَةِ فَبَلَغَتْ أَنْوَاعُ الْأَسْوَدِ سِتِّينَ نَوْعًا، وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَهُمَا جِنْسَانِ، وَاحْتُرِزَ بِالْخَاصِّ عَنْ الْعَامِّ كَالْحَبِّ، فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ سَائِرَ الْحُبُوبِ وَبِأَوَّلِ دُخُولِهِمَا فِي الرِّبَا عَنْ الْأَدِقَّةُ، فَإِنَّهَا اشْتَرَكَتْ فِي اسْمٍ خَاصٍّ، وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَهَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْإِضَافَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهِيَ أَجْنَاسٌ، لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الرِّبَا قَبْلَ اشْتِرَاكِهَا فِي هَذَا الِاسْمِ الْخَاصِّ وَبِالِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ عَنْ الْبِطِّيخِ الْهِنْدِيِّ مَعَ الْأَصْفَرِ فَإِنَّهُمَا جِنْسَانِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَلِكَ التَّمْرُ وَالْجَوْزُ الْهِنْدِيَّانِ مَعَ التَّمْرِ وَالْجَوْزِ الْمَعْرُوفَيْنِ، فَإِنَّ إطْلَاقَ الِاسْمِ عَلَيْهِمَا لَيْسَ لِقَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا: أَيْ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِحَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ لِحَقِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، وَهَذَا الضَّابِطُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَوْلَى مَا قِيلَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الرَّافِعِيُّ. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِاللُّحُومِ وَالْأَلْبَانِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَأُصُولِهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِأَنَّهَا جِنْسٌ لَا نَقْضٌ، وَحَيْثُ اُشْتُرِطَ التَّقَابُضُ فَتَفَرَّقَا قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ إنْ تَفَرَّقَا عَنْ تَرَاضٍ وَإِلَّا فَلَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ تَفَرُّقَهُمَا حِينَئِذٍ كَلَا تَفَرُّقٍ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُخْتَارِ وَالْمُكْرَهِ. وَالتَّخَايُرُ وَهُوَ إلْزَامُ الْعَقْدِ قَبْلَ التَّقَابُضِ كَالتَّفَرُّقِ قَبْلَهُ فِي أَنَّهُ يُبْطِلُ الْعَقْدَ الرِّبَوِيَّ سَوَاءٌ أَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَمْ لَا، وَمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْخِيَارِ مِنْ أَنَّهُمَا لَوْ تَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَبْطُلْ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي، بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى رَأْيِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرَى أَنَّ التَّخَايُرَ بِمَنْزِلَةِ التَّفَرُّقِ وَلَوْ قَبَضَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْمُبَعَّضَ فَفِيمَا قَبَضَ قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَبَطَلَ الْعَقْدُ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِهِ نِصْفًا شَائِعًا مِنْ دِينَارٍ قِيمَتُهُ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ صَحَّ وَيُسَلِّمُهُ الْبَائِعُ إلَيْهِ لِيَقْبِضَ النِّصْفَ، وَيَكُونُ النِّصْفُ الثَّانِي فِي يَدِهِ أَمَانَةً بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ فَأَعْطَاهُ عَشْرَةً فَوُجِدَتْ زَائِدَةُ الْوَزْنِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الزَّائِدَ لِلْمُعْطِي؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَقْرَضَهُ الْبَائِعُ فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ تِلْكَ الْخَمْسَةَ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهَا مِنْهُ فَاشْتَرَى بِهَا النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الدِّينَارِ جَازَ كَغَيْرِهَا، وَإِنْ اشْتَرَى كُلَّ الدِّينَارِ مِنْ غَيْرِهِ بِعَشْرَةٍ وَسَلَّمَهُ مِنْهَا خَمْسَةً ثُمَّ اسْتَقْرَضَهَا مِنْهُ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ عَنْ الثَّمَنِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ مَعَ الْعَاقِدِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إجَازَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا كَالتَّفَرُّقِ فَكَأَنَّهُمَا تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ، وَلَا يُقَالُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فِيمَا قَبَضَهُ مِنْ الثَّمَنِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ. أَمَّا مَعَ الْعَاقِدِ فَصَحِيحٌ.
المتن: وَأَدِقَّةُ الْأُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ، وَخُلُولُهَا وَأَدْهَانُهَا أَجْنَاسٌ.
الشَّرْحُ: (وَأَدِقَّةُ الْأُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ وَخُلُولُهَا وَأَدْهَانُهَا) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى أَدِقَّةُ (أَجْنَاسٌ)؛ لِأَنَّهَا فُرُوعُ أُصُولٍ مُخْتَلِفَةٍ فَأُعْطِيَتْ حُكْمَ أُصُولِهَا، فَيَجُوزُ بَيْعُ دَقِيقِ الْبُرِّ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ، وَخَلُّ التَّمْرِ بِخَلِّ الْعِنَبِ مُتَفَاضِلَيْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ خَلَّيْنِ لَا مَاءَ فِيهِمَا، وَاتَّحَدَ جِنْسُهُمَا اُشْتُرِطَ التَّمَاثُلُ، وَإِلَّا فَلَا، وَكُلَّ خَلَّيْنِ فِيهِمَا مَاءٌ لَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ إنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ وَقُلْنَا الْمَاءُ الْعَذْبُ رِبَوِيٌّ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي أَحَدِهِمَا وَهُمَا جِنْسَانِ كَخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْخَلَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَالْخُلُولُ تُتَّخَذُ غَالِبًا مِنْ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَيَنْتَظِمُ مِنْ هَذِهِ الْخُلُولِ عَشْرُ مَسَائِلَ. وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ تَأْخُذَ كُلَّ وَاحِدٍ مَعَ نَفْسِهِ، ثُمَّ تَأْخُذَهُ مَعَ مَا بَعْدَهُ، وَلَا تَأْخُذَهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ، لِأَنَّكَ قَدْ عَدَدْتَهُ قَبْلَ هَذَا فَلَا تَعُدَّهُ مَرَّةً أُخْرَى. الْأُولَى: بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِمِثْلِهِ. الثَّانِيَةُ: بَيْعُ خَلِّ الرُّطَبِ بِمِثْلِهِ. الثَّالِثَةُ: بَيْعُ خَلِّ الزَّبِيبِ بِمِثْلِهِ. الرَّابِعَةُ: بَيْعُ خَلِّ التَّمْرِ بِمِثْلِهِ. الْخَامِسَةُ: بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ. السَّادِسَةُ: بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ. السَّابِعَةُ: بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ. الثَّامِنَةُ: بَيْعُ خَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ. التَّاسِعَةُ: بَيْعُ خَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ. الْعَاشِرَةُ: بَيْعُ خَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ التَّمْرِ، فَفِي خَمْسَةٌ مِنْهَا يُجْزَمُ بِالْجَوَازِ، وَفِي خَمْسَةٍ بِالْمَنْعِ، الْخَمْسَةُ الْأُولَى: خَلُّ عِنَبٍ بِخَلِّ عِنَبٍ، خَلُّ رُطَبٍ بِخَلِّ رُطَبٍ، خَلُّ عِنَبٍ بِخَلِّ تَمْرٍ، خَلُّ عِنَبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ، خَلُّ عِنَبٍ بِخَلِّ رُطَبٍ. وَالْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ: خَلُّ عِنَبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ، خَلُّ رُطَبٍ بِخَلِّ تَمْرٍ، خَلُّ زَبِيبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ، خَلُّ تَمْرٍ بِخَلِّ تَمْرٍ، خَلُّ زَبِيبٍ بِخَلِّ تَمْرٍ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُخْتَلِفَةِ عَنْ الْمُتَّحِدَةِ كَأَدِقَّةِ الْقَمْحِ فَإِنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ قَطْعًا.
المتن: وَاللُّحُومُ وَالْأَلْبَانُ كَذَلِكَ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (وَاللُّحُومُ وَالْأَلْبَانُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَجْنَاسٌ (كَذَلِكَ فِي الْأَظْهَرِ)؛ لِأَنَّهُمَا فُرُوعٌ لِأُصُولٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَجْنَاسِ، فَأَشْبَهَتْ الْأَدِقَّةَ فَيَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الْبَقَرِ بِلَحْمِ الضَّأْنِ وَلَبَنِ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الضَّأْنِ مُتَفَاضِلًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْمِ الَّذِي لَا يَقَعُ التَّمْيِيزُ بَعْدَهُ إلَّا بِالْإِضَافَةِ فَأَشْبَهَتْ أَنْوَاعَ التَّمْرِ كَالْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لُحُومُ الْبَقَرِ جَوَامِيسُهَا وَعِرَابُهَا جِنْسٌ، وَلَيْسَ مِنْ الْبَقَرِ الْبَقَرُ الْوَحْشِيُّ؛ لِأَنَّ الْوَحْشِيَّ وَالْإِنْسِيَّ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسَانِ، وَلُحُومُ الْغَنَمِ ضَأْنُهَا وَمَعْزُهَا جِنْسٌ، وَالظِّبَاءُ وَالْأُيَّلُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ، وَهُوَ الْوَعِلُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ تَيْسُ الْجَبَلِ، وَيُقَالُ شَاتُهُ جِنْسٌ، وَالْأَلْبَانُ كَذَلِكَ وَالسُّمُوكُ الْمَعْرُوفَةُ جِنْسٌ، وَبَقَرُ الْمَاءِ وَغَنَمُهُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَيَوَانَاتِ الْمَاءِ أَجْنَاسٌ. وَأَمَّا الطُّيُورُ: فَالْعَصَافِيرُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا جِنْسٌ، وَالْبَطُّوطُ جِنْسٌ، وَكَذَا أَنْوَاعُ الْحَمَامِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبُيُوضُ الطُّيُورِ أَجْنَاسٌ، وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَالْقَلْبُ وَالْكِرْشُ وَالرِّئَةُ وَالْمُخُّ أَجْنَاسٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيَوَانٍ وَاحِدٍ لِاخْتِلَافِ أَسْمَائِهَا وَصِفَاتِهَا، وَشَحْمُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَاللِّسَانِ وَالرَّأْسِ وَالْأَكَارِعِ أَجْنَاسٌ، وَالْجَرَادُ لَيْسَ بِلَحْمٍ وَلَا شَحْمٍ، وَالْبِطِّيخِ الْأَخْضَرِ وَالْأَصْفَرِ وَالْخِيَارُ وَالْقِثَّاءُ أَجْنَاسٌ.
المتن: وَالْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا، وَالْمَوْزُونِ وَزْنًا، وَالْمُعْتَبَرُ غَالِبُ عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا جُهِلَ يُرَاعَى فِيهِ عَادَةُ بَلَدِ الْبَيْعِ، وَقِيلَ: الْكَيْلُ، وَقِيلَ: الْوَزْنُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ اُعْتُبِرَ.
الشَّرْحُ: (وَالْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا)، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ فِي الْوَزْنِ (وَ) فِي (الْمَوْزُونِ وَزْنًا)، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ فِي الْكَيْلِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ الْمَكِيلِ بِبَعْضٍ وَزْنًا، وَلَا بَيْعُ بَعْضِ الْمَوْزُونِ بِبَعْضٍ كَيْلًا (وَالْمُعْتَبَرُ) فِي كَوْنِ الشَّيْءِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا (غَالِبُ عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِظُهُورِ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ، فَلَوْ أَحْدَثَ النَّاسُ خِلَافَ ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ (وَمَا) لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ أَوْ كَانَ وَ (جُهِلَ) حَالُهُ وَلَوْ لِنِسْيَانٍ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحِجَازِ أَوْ اُسْتُعْمِلَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فِيهِ سَوَاءٌ أَوْ لَمْ يُسْتَعْمَلَا فِيهِ أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا وَلَكِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَكَانَ ذَلِكَ أَكْبَرَ جُرْمًا مِنْ التَّمْرِ كَالْجَوْزِ فَالْوَزْنُ، إذْ لَمْ يُعْهَدْ الْكَيْلُ بِالْحِجَازِ فِيمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ جُرْمًا أَوْ كَانَ مِثْلَهُ كَاللَّوْزِ أَوْ دُونَهُ كَالْفُسْتُقِ (يُرَاعَى فِيهِ عَادَةُ بَلَدِ الْبَيْعِ) حَالَةَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْدُودًا فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ كَانَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى عَادَةِ النَّاسِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ (وَقِيلَ الْكَيْلُ)؛ لِأَنَّ أَغْلَبَ مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ مَكِيلٌ (وَقِيلَ الْوَزْنُ)؛ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ وَأَقَلُّ تَفَاوُتًا (وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ) لِلتَّسَاوِي (وَقِيلَ: إنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ) مَعْلُومُ الْمِعْيَارِ (اُعْتُبِرَ) أَصْلُهُ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فِيهِ. قَالَ الشَّارِحُ: فَعَلَى هَذَا دُهْنُ السِّمْسِمِ مَكِيلٌ وَدُهْنُ اللَّوْزِ مَوْزُونٌ ا هـ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ اللَّوْزَ مَكِيلٌ فَدُهْنُهُ كَذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمِكْيَالِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَادًا أَمْ لَا كَالْقَصْعَةِ، فَلَوْ كَانَ فِي أَحَدِ الْمَبِيعَيْنِ قَلِيلُ تُرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَضُرَّ إنْ كَانَ مَكِيلًا؛ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّلُ فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يَظْهَرُ فِي الْمِكْيَالِ ضُرٌّ. وَأَمَّا الْمَوْزُونُ فَيَضُرُّ مُطْلَقًا لِظُهُورِ كَثِيرِهِ وَقَلِيلِهِ فِي الْوَزْنِ، وَيَكْفِي الْوَزْنُ بِالْقَبَّانِ وَالتَّسَاوِي بِكِفَّتَيْ الْمِيزَانِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ مَا فِي كُلِّ كِفَّةٍ. وَقَدْ يَتَأَتَّى الْوَزْنُ بِالْمَاءِ بِأَنْ يُوضَعَ الشَّيْءُ فِي ظَرْفٍ وَيُلْقَى فِي الْمَاءِ وَيُنْظَرُ قَدْرُ غَوْصِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ وَزْنًا شَرْعِيًّا وَلَا عُرْفِيًّا، فَالظَّاهِرُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي هُنَا وَإِنْ كَفَى فِي الزَّكَاةِ، وَأَدَاءُ الْمُسْلِمِ فِيهِ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ الْقَصْعَةِ.
المتن: وَالنَّقْدُ بِالنَّقْدِ كَطَعَامٍ بِطَعَامٍ.
الشَّرْحُ: (وَالنَّقْدُ بِالنَّقْدِ) وَالْمُرَادُ بِهِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مَضْرُوبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ (كَطَعَامٍ بِطَعَامٍ) فِي جَمِيعِ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَإِنْ بِيعَ بِجِنْسِهِ كَذَهَبٍ بِذَهَبٍ اُشْتُرِطَ الْمُمَاثَلَةُ وَالْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَالتَّخَايُرِ وَإِنْ بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ جَازَ التَّفَاضُلُ أَوْ اُشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ التَّخَايُرِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ. فَإِنْ قِيلَ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ تَقْدِيمَ النَّقْدِ عَلَى الطَّعَامِ مُوَافَقَةً لِلْحَدِيثِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الطَّعَامِ أَكْثَرُ فَقُدِّمَ لِذَلِكَ. وَلَا يُقَالُ: إنْ تَقَدَّمَ مَا الْكَلَامُ فِيهِ أَقَلُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ، وَعِلَّةُ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جِنْسِيَّةُ الْأَثْمَانِ غَالِبًا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا أَيْضًا بِجَوْهَرِيَّةِ الْأَثْمَانِ غَالِبًا، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ عَنْ الْفُلُوسِ وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْعُرُوضِ لَا أَنَّهَا قِيَمُ الْأَشْيَاءِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَانِيَ وَالتِّبْرَ وَالْحُلِيَّ يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا كَمَا مَرَّ، وَلَيْسَ مِمَّا يُقَوَّمُ بِهَا، وَاحْتُرِزَ بِغَالِبًا عَنْ الْفُلُوسِ إذَا رَاجَتْ فَإِنَّهُ لَا رِبَا فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا أَثَرَ لِقِيمَةِ الصَّنْعَةِ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بِدَنَانِيرَ ذَهَبًا مَصُوغًا قِيمَتُهُ أَضْعَافُ الدَّنَانِيرِ اُعْتُبِرَتْ الْمُمَاثَلَةُ وَلَا نَظَرَ إلَى الْقِيمَةِ.
تَنْبِيهٌ: بَيْعُ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ مِنْ جِنْسِهِ وَغَيْرِهِ يُسَمَّى صَرْفًا، وَيَصِحُّ عَلَى مُعَيَّنَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ كَبِعْتُك أَوْ صَارَفْتُك هَذَا الدِّينَارَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، وَعَلَى مَوْصُوفَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ: كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ أَوْ صَارَفْتُك دِينَارًا صِفَتُهُ كَذَا فِي ذِمَّتِي بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِنْ الضَّرْبِ الْفُلَانِيِّ فِي ذِمَّتُك، وَلَوْ أَطْلَقَ فَقَالَ صَارَفْتك عَلَى دِينَارٍ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَكَانَ هُنَاكَ نَقْدٌ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ أَوْ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَغْلَبُ صَحَّ وَنَزَلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُعَيِّنَانِ وَيَتَقَابَضَانِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَيَصِحُّ أَيْضًا عَلَى مُعَيَّنٍ بِمَوْصُوفٍ كَبِعْتُك هَذَا الدِّينَارَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي ذِمَّتُك، وَلَا يَصِحُّ عَلَى دَيْنَيْنِ كَبِعْتُك الدِّينَارَ الَّذِي فِي ذِمَّتُك بِالْعَشَرَةِ الَّتِي لَك فِي ذِمَّتِي لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَالْحِيلَةُ فِي تَمْلِيكِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَبَيْعِ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ مُتَفَاضِلًا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ بِدَرَاهِمَ أَوْ عَرَضٍ وَيَشْتَرِي مِنْهُ بِهَا أَوْ بِهِ الذَّهَبَ بَعْدَ التَّقَابُضِ فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَلَمْ يَتَخَايَرَا لِتَضَمُّنِ الْبَيْعِ الثَّانِي إجَازَةَ الْأَوَّلِ بِخِلَافِهِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ يُقْرِضُ كُلٌّ صَاحِبَهُ وَيُبْرِئُهُ أَوْ يَتَوَاهَبَا الْفَاضِلَ لِصَاحِبِهِ، وَهَذَا جَائِزٌ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي بَيْعِهِ وَإِقْرَاضِهِ وَهِبَتِهِ مَا يَفْعَلُهُ صَاحِبُهُ وَإِنْ كُرِهَ قَصْدُهُ. وَلَوْ بَاعَ جِزَافًا تَخْمِينًا لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ خَرَجَا سَوَاءٌ، وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ وَقْتَ الْجَفَافِ، وَقَدْ يُعْتَبَرُ الْكَمَالُ أَوَّلًا
الشَّرْحُ: (وَلَوْ بَاعَ جِزَافًا) بِكَسْرِ الْجِيمِ طَعَامًا أَوْ نَقْدًا بِجِنْسِهِ (تَخْمِينًا) أَيْ حَزْرًا لِلتَّسَاوِي (لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ (وَإِنْ خَرَجَا سَوَاءٌ) لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لَا يَعْلَمُ مَكِيلُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقِيسَ النَّقْدُ عَلَى الْمَطْعُومِ وَلِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ: الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ، وَيُؤْخَذُ الْبُطْلَانِ عِنْدَ عَدَمِ التَّخْمِينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَوْ عَلِمَا تَمَاثُلَ الصُّبْرَتَيْنِ جَازَ الْبَيْعُ كَمَا قَالَ الْقَاضِي، وَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى كَيْلٍ وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا مِقْدَارَهُمَا وَأَخْبَرَ الْآخَرَ بِهِ فَصَدَّقَهُ فَكَمَا لَوْ عَلِمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، وَلَوْ بَاعَ صُبْرَةَ نَحْوَ بُرٍّ بِأُخْرَى كَيْلًا بِكَيْلٍ أَوْ صُبْرَةَ نَحْوَ دَرَاهِمَ بِأُخْرَى وَزْنًا بِوَزْنٍ صَحَّ إنْ تَسَاوَيَا لِحُصُولِ الْمُمَاثَلَةِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ وَهُمَا مُتَفَاوِتَانِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ صُبْرَةٍ بِكَيْلِهَا فِيمَا يُكَالُ أَوْ وَزْنِهَا فِيمَا يُوزَنُ مِنْ صُبْرَةٍ أَكْبَرَ مِنْهَا لِحُصُولِ الْمُمَاثَلَةِ، وَلَوْ تَفَرَّقَا فِي هَذِهِ وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا فِيمَا إذَا صَحَّ الْبَيْعُ بَعْدَ قَبْضِ الْجُمْلَتَيْنِ، وَقَبْلَ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ جَازَ لِحُصُولِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ، وَمَا فَضَلَ مِنْ الْكَبِيرَةِ بَعْدَ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ لِصَاحِبِهَا، فَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقَبْضِ هُنَا مَا يَنْقُلُ الضَّمَانَ فَقَطْ لَا مَا يُفِيدُ التَّصَرُّفَ أَيْضًا لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ قَبْضَ مَا بِيعَ مُقَدَّرًا إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّقْدِيرِ، وَلَوْ بَاعَ صُبْرَةَ بُرٍّ بِصُبْرَةِ شَعِيرٍ جِزَافًا جَازَ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ، فَإِنْ بَاعَهَا بِهَا مُكَايَلَةً فَإِنْ خَرَجَتَا سَوَاءٌ صَحَّ وَإِنْ تَفَاضَلَتَا وَسَمَحَ رَبُّ الْمَالِ بِإِعْطَائِهِ الزَّائِدَ أَوْ رَضِيَ رَبُّ النَّاقِصِ بِقَدْرِهِ مِنْ الزَّائِدِ أُقِرَّ الْبَيْعُ وَإِنْ تَشَاحَّا فُسِخَ، وَتَقَدَّمَ مَا فِي هَذِهِ مَعَ جَوَابِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الصُّبْرَةِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلِّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ (وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ) لِلرِّبَوِيِّ حَالَ الْكَمَالِ، فَيُعْتَبَرُ فِي الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ (وَقْتَ الْجَفَافِ) وَتَنْقِيَتُهَا شَرْطٌ لِلْمُمَاثَلَةِ لَا لِلْكَمَالِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ} صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: أَيَنْقُصُ إلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْجَفَافِ، وَإِلَّا فَالنُّقْصَانُ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ، وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا إبْقَاؤُهُ عَلَى هَيْئَةٍ يَتَأَتَّى ادِّخَارُهُ عَلَيْهَا كَالتَّمْرِ بِنَوَاهُ، لِأَنَّهُ إذَا نُزِعَ بَطَلَ كَمَالُهُ لِتَسَارُعِ الْفَسَادِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ كَمَالَهُ لَا يَبْطُلُ بِنَزْعِ نَوَاهُ فَإِنَّ الْغَالِبَ فِي تَجْفِيفِهَا: أَيْ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ نَزْعُ نَوَاهُ كَمَا أَنَّ اللَّحْمَ الْمُقَدَّدَ لَا يَبْطُلُ كَمَالُهُ بِنَزْعِ الْعَظْمِ مِنْهُ. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي فَهْمِ قَوْلِهِ (وَقَدْ يُعْتَبَرُ الْكَمَالُ أَوَّلًا) فَإِنَّهُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْكِتَابِ، فَقَالَ الشَّارِحُ: وَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَرَايَا الْآتِيَةِ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ ا هـ. وَهَذَا أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ لِلْإِسْنَوِيِّ وَقَالَ: إنَّهُ الْأَصَحُّ فِي الْحَمْلِ، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ إدْخَالَ الْعَصِيرِ وَالْخَلِّ مِنْ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا مَرَّ لَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ الرُّطَبُ إلَّا تَمْرًا وَلَا الْعِنَبُ إلَّا زَبِيبًا فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْكَمَالِ الْأَوَّلِ، وَجَرَى عَلَى هَذَا السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ الْأَوْلَى كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ مِنْ الْأَوَّلِ، إذْ يَلْزَمُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْأَوَّلِ اخْتِلَافُ مَفْهُومِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ حِينَئِذٍ اعْتِبَارُ الْكَمَالِ آخِرًا إلَّا فِي الْعَرَايَا وَلَيْسَ مُرَادًا. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَوْلُهُ أَوَّلًا نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا الْكَمَالَ يُكْتَفَى بِالْكَمَالِ الْأَوَّلِ كَالْعَصِيرِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْآخَرُ كَالْخَلِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ: يُعْتَبَرُ الْكَمَالُ وَلَوْ أَوَّلًا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كِلَا الْأَمْرَيْنِ فَاسِدٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّهُ لَا كَمَالَ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ، وَلَكِنَّهُ رُخِّصَ فِي بَيْعِهِ بِمِثْلِهِ جَافًّا بِشُرُوطِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ لَيْسَتْ أَوَّلَ أَحْوَالِهِ. قَالَ: وَمَعْنَى كَلَامِ الْكِتَابِ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ قَدْ تُعْتَبَرُ وَقْتَ كَمَالِ ذَلِكَ الرِّبَوِيِّ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ وَهُوَ الْحَلِيبُ فَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ ذَلِكَ الْوَقْتَ ا هـ. وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْعَصِيرَ لَيْسَ أَوَّلَ أَحْوَالِ الْكَمَالِ مَمْنُوعٌ، إذْ لَيْسَ لَهُ حَالَةُ كَمَالٍ قَبْلَ الْعَصِيرِ.
المتن: فَلَا يُبَاعُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ وَلَا بِتَمْرٍ، وَلَا عِنَبٌ بِعِنَبٍ وَلَا بِزَبِيبٍ، وَمَا لَا جَفَافَ لَهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ لَا يُبَاعُ أَصْلًا، وَفِي قَوْلٍ تَكْفِي مُمَاثَلَتُهُ رَطْبًا.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: قَالَ السُّبْكِيُّ: وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَقِيلَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَالصَّوَابُ وَقَدْ، وَهَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُبَاعُ رَطْبُ الْمَطْعُومَاتِ بِرَطْبِهَا بِفَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا وَلَا بِجَافِّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْعَرَايَا، سَوَاءٌ أَكَانَ لَهَا حَالَةُ جَفَافٍ كَمَا قَالَ (فَلَا يُبَاعُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ فِيهِمَا (وَلَا) رَطْبُهَا بِجَافِّهَا كَرُطَبٍ (بِتَمْرٍ، وَلَا عِنَبٌ بِعِنَبٍ وَلَا) عِنَبٌ (بِزَبِيبٍ) وَلَا تِينٌ رَطْبٌ بِتِينٍ رَطْبٍ، وَلَا رَطْبٌ بِيَابِسٍ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ وَقْتَ الْجَفَافِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَأُلْحِقَ بِالرَّطْبِ فِيمَا ذُكِرَ طَرِيُّ اللَّحْمِ فَلَا يُبَاعُ بِطَرِيِّهِ وَلَا بِقَدِيدِهِ مِنْ جِنْسِهِ. وَيُبَاعُ قَدِيدُهُ بِقَدِيدِهِ بِلَا عَظْمٍ وَلَا مِلْحٍ يَظْهَرُ فِي الْوَزْنِ، وَلَا تُبَاعُ حِنْطَةٌ بِحِنْطَةٍ مَبْلُولَةٍ وَإِنْ جَفَّتْ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمْرِ وَالْحَبِّ تَنَاهِي الْجَفَافِ؛ لِأَنَّهُمَا مَكِيلَانِ فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ الرُّطُوبَةِ فِي الْكَيْلِ، بِخِلَافِ اللَّحْمِ، فَإِنَّهُ مَوْزُونٌ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْوَزْنِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَالَةُ جَفَافٍ كَمَا قَالَ (وَمَا لَا جَفَافَ لَهُ كَالْقِثَّاءِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا وَالْمُثَلَّثَةِ وَالْمَدِّ (وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ) وَالرُّطَبِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ (لَا يُبَاعُ) بَعْضُهُ بِبَعْضٍ (أَصْلًا) قِيَاسًا عَلَى الرَّطْبِ بِالرَّطْبِ، وَقَدْ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَوْ جَفَّ عَلَى نُدُورٍ لَا يُبَاعُ جَافًّا، وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْجَوَازُ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ الْأَقْيَسُ (وَفِي قَوْلٍ) مَخْرَجٌ (تَكْفِي مُمَاثَلَتُهُ رَطْبًا) بِفَتْحِ الرَّاءِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنَافِعِهِ فِي رُطُوبَتِهِ فَكَانَ كَاللَّبَنِ فَيُبَاعُ وَزْنًا وَإِنْ أَمْكَنَ كَيْلُهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَثْنَى الزَّيْتُونُ فَإِنَّهُ لَا جَفَافَ لَهُ، وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ.
المتن: وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيق وَالْخُبْزِ، بَلْ تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْحُبُوبِ حَبًّا، وَفِي حُبُوبِ الدُّهْنِ كَالسِّمْسِمِ حَبًّا أَوْ دُهْنًا، وَفِي الْعِنَبِ زَبِيبًا أَوْ خَلَّ عِنَبٍ، وَكَذَا الْعَصِيرُ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيق) أَيْ دَقِيقِ الشَّعِيرِ (وَالْخُبْزِ) وَنَحْوِهَا مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْ الْحَبِّ كَالْعَجِينِ وَالنِّشَاءِ، وَلَا مُمَاثَلَةَ لِمَا فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا اُتُّخِذَ مِنْهَا كَالْفَالُوذَجِ فَإِنَّ فِيهِ النِّشَاءَ فَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهُ بِمِثْلِهِ وَلَا بِالْحَبِّ الَّذِي اُتُّخِذَ مِنْهُ لِخُرُوجِهَا عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ، فَإِنَّ الدَّقِيقَ وَنَحْوَهُ يَتَفَاوَتُ فِي النُّعُومَةِ، وَالْخُبْزَ وَنَحْوَهُ يَتَفَاوَتُ فِي تَأْثِيرِ النَّارِ، وَلَا تُبَاعُ حِنْطَةٌ مَقْلِيَّةٌ بِحِنْطَةٍ مُطْلَقًا لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِ النَّارِ فِيهَا وَلَا حِنْطَةٌ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهَا وَلَا بِمَا فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْهَا، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحَبِّ بِالنُّخَالَةِ وَالْحَبِّ الْمُسَوَّسِ إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ لِبٌّ أَصْلًا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِرِبَوِيَّيْنِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ التَّمْرِ بِطَلْعِ الذُّكُورِ دُونَ طَلْعِ الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ. وَأَمَّا طَلْعُ الْإِنَاثِ فَإِنَّهُ رِبَوِيٌّ (بَلْ تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْحُبُوبِ) الَّتِي لَا دُهْنَ فِيهَا (حَبًّا) لِتَحَقُّقِهَا فِيهِمَا وَقْتَ الْجَفَافِ (وَ) تُعْتَبَرُ (فِي حُبُوبِ الدُّهْنِ كَالسِّمْسِمِ) بِكَسْرِ السِّينَيْنِ (حَبًّا أَوْ دُهْنًا) أَوْ كُسْبًا خَالِصًا مِنْ دُهْنِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِمِثْلِهِ وَالشَّيْرَجِ بِمِثْلِهِ وَالْكُسْبِ بِمِثْلِهِ. وَأَمَّا كُسْبُ غَيْرِ السِّمْسِمِ وَاللَّوْزِ الَّذِي لَا يَأْكُلُهُ إلَّا الْبَهَائِمُ: كَكُسْبِ الْقُرْطُمِ أَوْ أَكْلُ الْبَهَائِمِ لَهُ أَكْثَرُ فَلَيْسَ بِرِبَوِيٍّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَيْسَ لِلطَّحِينَةِ قَبْلَ اسْتِخْرَاجِ الدُّهْنِ حَالَةُ كَمَالٍ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَلَا بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْعِ كُسْبٍ وَدُهْنٍ بِدُهْنٍ، وَهُوَ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ، وَالْكُسْبُ الْخَالِصُ وَالشَّيْرَجُ جِنْسَانِ، وَالْأَدْهَانُ الْمُطَيِّبَةُ كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَاللِّينُوفَرِ كُلُّهَا مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ السِّمْسِمِ فَيُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ إنْ رُبِّيَ بِالطِّيبِ سِمْسِمُ الدُّهْنِ بِأَنْ طُرِحَ فِي الطِّيبِ ثُمَّ اُسْتُخْرِجَ دُهْنُهُ فَإِنْ اُسْتُخْرِجَ دُهْنُهُ ثُمَّ طُرِحَ فِيهِ أَوْرَاقُهَا فَلَا يُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ؛ لِأَنَّ اخْتِلَاطَهَا بِهَا يَمْنَعُ مَعْرِفَةَ التَّمَاثُلِ (وَ) تُعْتَبَرُ (فِي الْعِنَبِ) وَالرُّطَبِ (زَبِيبًا) وَتَمْرًا (أَوْ خَلَّ عِنَبٍ) وَرُطَبٍ (وَكَذَا الْعَصِيرُ) أَيْ عَصِيرُ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ مُتَهَيِّئٌ لِأَكْثَرِ الِانْتِفَاعَاتِ، فَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَصِيرِ بِمِثْلِهِ، وَكَذَا بَيْعُ عَصِيرِهِ بِخَلِّهِ مُتَمَاثِلًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَمَّا بَيْعُ الْخَلِّ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلشَّيْءِ حَالَتَا كَمَالٍ فَأَكْثَرُ. وَالثَّانِي: لَيْسَ لِلْعَصِيرِ حَالَةُ كَمَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى هَيْئَةِ كَمَالِ الْمَنْفَعَةِ، وَمِثْلُ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ عَصِيرُ الرُّمَّانِ وَالتُّفَّاحِ وَسَائِرِ الثِّمَارِ، وَكَذَا عَصِيرُ قَصَبِ السُّكَّرِ، وَالْمِعْيَارُ فِي الدُّهْنِ وَالْخَلِّ وَالْعَصِيرِ الْكَيْلُ.
المتن: وَفِي اللَّبَنِ لَبَنًا أَوْ سَمْنًا أَوْ مَخِيضًا صَافِيًا، وَلَا تَكْفِي الْمُمَاثَلَةُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ كَالْجُبْنِ وَالْأَقِطِ.
الشَّرْحُ: (وَ) تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ (فِي اللَّبَنِ لَبَنًا) خَالِصًا غَيْرَ مَشُوبٍ بِمَاءٍ أَوْ إنْفَحَةٍ أَوْ مِلْحٍ وَغَيْرَ مَغْلِيٍّ بِالنَّارِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، فَيُبَاعُ الْحَلِيبُ بِمِثْلِهِ وَإِنَّمَا يُبَاعُ بَعْدَ سُكُونِ رَغْوَتِهِ وَالرَّائِبُ بِمِثْلِهِ وَالرَّائِبُ بِالْحَلِيبِ كَيْلًا، وَلَا يُبَالِي بِكَوْنِ مَا يَحْوِيهِ الْمِكْيَالُ مِنْ الْخَاثِرِ أَكْثَرُ وَزْنًا لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِيهِ بِالْكَيْلِ كَالْحِنْطَةِ الصُّلْبَةِ بِالرَّخْوَةِ (أَوْ سَمْنًا) خَالِصًا مُصَفًّى بِشَمْسٍ أَوْ نَارٍ، فَإِنَّهُ لَا يَتَأَثَّرُ بِالنَّارِ تَأْثِيرَ انْعِقَادٍ وَنُقْصَانٍ فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَزْنًا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا عَلَى النَّصِّ، وَقِيلَ كَيْلًا، وَقِيلَ وَزْنًا إنْ كَانَ جَامِدًا وَكَيْلًا إنْ كَانَ مَائِعًا قَالَهُ الْبَغَوِيّ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَهُوَ تَوَسُّطٌ بَيْنَ وَجْهَيْنِ أَطْلَقَهُمَا الْعِرَاقِيُّونَ ا هـ. وَاسْتُحْسِنَ التَّوَسُّطُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ قَالَ شَيْخُنَا: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ اللَّبَنَ يُكَالُ مَعَ أَنَّهُ مَائِعٌ ا هـ. وَلَا تَأْيِيدَ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ أَصْلُهُ مَائِعٌ فَأُجْرِيَ فِيهِ الْكَيْلُ، وَالسَّمْنَ أَصْلُهُ جَامِدٌ فَأُجْرِيَ فِيهِ الْوَزْنُ، وَإِنَّمَا يُؤَيِّدُهُ لَوْ فَرَّقَ فِي اللَّبَنِ بَيْنَ الْمَائِعِ وَالْخَاثِرِ بَلْ قَالُوا بِالْكَيْلِ مُطْلَقًا لِمَا قُلْنَاهُ، وَلَا يُبَاعُ زُبْدٌ بِزُبْدٍ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِمَا مِنْ اللَّبَنِ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةَ، فَإِنْ قِيلَ بَيْعُ اللَّبَنِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا زُبْدٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الصِّفَةَ مُمْتَزِجَةٌ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا، وَخَالَفَهُ الْعَسَلُ بِشَمْعِهِ لِامْتِيَازِ الْعَسَلِ عَنْ الشَّمْعِ، وَلَا يُبَاعُ زُبْدٌ بِسَمْنٍ وَالْأَسْمَانُ أَجْنَاسٌ كَالْأَلْبَانِ (أَوْ مَخِيضًا صَافِيًا) أَيْ خَالِصًا عَنْ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ كَامِلَةٌ، وَالْمَخِيضُ مَا نُزِعَ زُبْدُهُ وَيُبَاعُ بِمِثْلِهِ وَبِالثَّمَنِ وَبِالزُّبْدِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ يَسِيرٌ لَا يَكُونُ كَامِلًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ: وَهَكَذَا الْحَلِيبُ وَسَائِرُ الْأَلْبَانِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَخِيضِ الصَّرْفُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ زُبْدٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ لَمْ يُبَعْ بِمِثْلِهِ وَلَا بِزُبْدٍ وَلَا بِسَمْنٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ، فَإِنْ قِيلَ اللَّبَنُ جِنْسٌ يَنْقَسِمُ إلَى مَخِيضٍ وَحَلِيبٍ وَرَائِبٍ فَلَا يَحْسُنُ جَعْلُ الْمَخِيضِ قَسِيمًا لِلَّبَنِ بَلْ هُوَ قِسْمٌ مِنْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ خَلْطَ الْمَخِيضِ بِالْمَاءِ عَطَفَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قِسْمًا مِنْهُ، وَقَيَّدَهُ بِالْخَالِصِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مُقَيَّدًا بِهِ أَيْضًا كَمَا قَدَّرْتُهُ (وَلَا تَكْفِي الْمُمَاثَلَةُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ) أَيْ بَاقِيهَا (كَالْجُبْنِ) بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَبِضَمِّهَا مَعَ تَشْدِيدِ النُّونِ وَبِدُونِهِ (وَالْأَقِطِ) وَالْمَصْلُ وَالزُّبْدُ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ مُخَالَطَةِ شَيْءٍ فَالْجُبْنُ يُخَالِطُهُ الْإِنْفَحَةُ، وَالْأَقِطُ يُخَالِطُهُ الْمِلْحُ، وَالْمَصْلُ يُخَالِطُهُ الدَّقِيقُ، وَالزُّبْدُ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ مَخِيضٍ فَلَا تَتَحَقَّقُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ فَلَا يُبَاعُ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهَا بِبَعْضٍ، وَلَا يُبَاعُ الزُّبْدُ بِالسَّمْنِ وَلَا اللَّبَنُ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَالسَّمْنِ الْمَخِيضِ.
المتن: وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ مَا أَثَّرَتْ فِيهِ النَّارُ بِالطَّبْخِ أَوْ الْقَلْيِ أَوْ الشَّيِّ، وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ تَمْيِيزٍ كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ، وَإِذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ رِبَوِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ مِنْهُمَا كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ وَكَمُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ.
الشَّرْحُ: (وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ مَا أَثَّرَتْ فِيهِ النَّارُ بِالطَّبْخِ أَوْ الْقَلْيِ أَوْ الشَّيِّ)؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ النَّارِ لَا غَايَةَ لَهُ فَيُؤَدِّي إلَى الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ حَبًّا كَانَ كَالسِّمْسِمِ أَوْ غَيْرِهِ كَاللَّحْمِ وَفِيمَا أَثَّرَتْ فِيهِ بِالْعَقْدِ كَالدِّبْسِ وَالسُّكَّرِ وَالْفَانِيدِ، وَهُوَ عَسَلُ الْقَصَبِ الْمُسَمَّى بِالْمُرْسَلِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لِمَا ذُكِرَ، وَالثَّانِي يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ قِيَاسًا عَلَى صِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِضِيقِ بَابِ الرِّبَا، وَاحْتُرِزَ بِكَوْنِ التَّأْثِيرِ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ عَنْ تَأْثِيرِ الْحَرَارَةِ كَالْمَاءِ الْمَغْلِيِّ فَإِنَّهُ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَعَنْ تَأْثِيرِ التَّمْيِيزِ كَمَا قَالَ: (وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ تَمْيِيزٍ كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ) وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَإِنَّ النَّارَ فِي الْعَسَلِ لِتَمْيِيزِ الشَّمْعِ وَفِي السَّمْنِ لِتَمْيِيزِ اللَّبَنِ وَفِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِتَمْيِيزِ الْغِشِّ، وَهِيَ لَطِيفَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهَا عَقَدَتْهُ امْتَنَعَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ. أَمَّا قَبْلَ التَّمْيِيزِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَسَلِ بِشَمْعِهِ بِمِثْلِهِ وَلَا بِصَافٍ لِقَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا جَازَ كَبَيْعِ التَّمْرِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَفِيهِ النَّوَى. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّوَى غَيْرُ مَقْصُودِ بِخِلَافِ الشَّمْعِ فِي الْعَسَلِ فَكَانَ اجْتِمَاعُهُمَا يُؤَدِّي إلَى الْجَهَالَةِ (وَإِذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ) أَيْ الْبَيْعَةُ. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ يُصَفِّقُ يَدَهُ عَلَى يَدِ الْآخَرِ فِي عَادَةِ الْعَرَبِ جِنْسًا (رِبَوِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ)، وَلَيْسَ تَابِعًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَقْصُودِ (وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ) أَيْ جِنْسُ الْمَبِيعِ (مِنْهُمَا) جَمِيعِهِمَا بِأَنْ اشْتَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى جِنْسَيْنِ رِبَوِيَّيْنِ اشْتَمَلَ الْآخِرُ عَلَيْهِمَا (كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ) مِنْ عَجْوَةٍ (وَدِرْهَمٍ، وَ) كَذَا لَوْ اشْتَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ (كَمُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ) أَوْ اشْتَمَلَا جَمِيعُهُمَا عَلَى جِنْسٍ رِبَوِيٍّ وَانْضَمَّ إلَيْهِ غَيْرُ رِبَوِيٍّ فِيهِمَا كَدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا كَدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ.
المتن: أَوْ النَّوْعُ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَبَاطِلَةٌ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) اخْتَلَفَ (النَّوْعُ) أَيْ نَوْعُ الْمَبِيعِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْوَصْفَ، بِأَنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ الْحَقِيقِيُّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعِهِمَا، بِأَنْ اشْتَمَلَ أَحَدُهُمَا مِنْ جِنْسٍ رِبَوِيٍّ عَلَى نَوْعَيْنِ اشْتَمَلَ الْآخَرُ عَلَيْهِمَا كَمُدِّ تَمْرٍ صَيْحَانِيٍّ وَمُدٍّ بَرْنِيِّ بِمُدِّ تَمْرٍ صَيْحَانِيٍّ وَمُدٍّ بَرْنِيِّ أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا كَمُدٍّ صَيْحَانِيٍّ وَمُدٍّ بَرْنِيِّ بِمُدَّيْ صَيْحَانِيٍّ أَوْ بَرْنِيِّ، أَوْ اخْتَلَفَ الْوَصْفُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعِهِمَا بِأَنْ اشْتَمَلَ أَحَدُهُمَا مِنْ جِنْسٍ رِبَوِيٍّ عَلَى وَصْفَيْنِ اشْتَمَلَ الْآخَرُ عَلَيْهِمَا (كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ) تَنْقُصُ قِيمَتُهَا عَنْ قِيمَةِ الصِّحَاحِ (بِهِمَا) أَيْ بِصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ أَوْ جَيِّدَةٍ وَرَدِيئَةٍ بِجَيِّدَةٍ وَرَدِيئَةٍ (أَوْ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ بِصِحَاحٍ فَقَطْ أَوْ بِمُكَسَّرَةٍ فَقَطْ أَوْ بِجَيِّدَةٍ فَقَطْ أَوْ رَدِيئَةٍ فَقَطْ (فَبَاطِلَةٌ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْقَاعِدَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِقَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ. وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ {أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ تُبَاعُ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ}، وَفِي رِوَايَةٍ {لَا تُبَاعُ حَتَّى تُفْصَلَ} وَاسْتُدِلَّ عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، بِأَنَّ قَضِيَّةَ اشْتِمَالِ أَحَدِ طَرَفَيْ الْعَقْدِ عَلَى مَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ تَوْزِيعُ مَا فِي الْآخَرِ عَلَيْهِمَا اعْتِبَارًا بِالْقِيمَةِ كَمَا فِي بَيْعِ شِقْصٍ مَشْفُوعٍ وَسَيْفٍ بِأَلْفٍ وَقِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةٌ وَالسَّيْفِ خَمْسُونَ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ، وَالتَّوْزِيعُ هُنَا يُؤَدِّي إلَى الْمُفَاضَلَةِ أَوْ الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْنِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُدِّ الَّذِي مَعَ الدِّرْهَمِ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ لَزِمَتْهُ الْمُفَاضَلَةُ أَوْ مِثْلُهُ فَالْمُمَاثَلَةُ مَجْهُولَةٌ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمَيْنِ فَالْمُدُّ ثُلُثَا طَرَفِهِ فَيُقَابِلُهُ ثُلُثَا الْمُدَّيْنِ أَوْ نِصْفُ دِرْهَمٍ فَالْمُدُّ ثُلُثُ طَرَفِهِ، فَيُقَابِلُهُ ثُلُثُ الْمُدَّيْنِ فَتَلْزَمُ الْمُفَاضَلَةُ أَوْ مِثْلُهُ فَالْمُمَاثَلَةُ مَجْهُولَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ التَّقْوِيمَ وَهُوَ تَخْمِينٌ قَدْ يَخْطَأُ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا قَالُوهُ فِي الصُّلْحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَخَمْسُونَ دِينَارًا ذَهَبًا فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ جَازَ.. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ مَا فِي الصُّلْحِ، وَتَعَدُّدُ الْعَقْدِ هُنَا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي كَاتِّحَادِهِ بِخِلَافِ تَعَدُّدِهِ بِتَفْصِيلِ الْعَقْدِ، بِأَنْ جَعَلَ فِي بَيْعِ مُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمِثْلِهِمَا الْمُدَّ فِي مُقَابَلَةِ الْمُدِّ أَوْ الدِّرْهَمِ، وَالدِّرْهَمَ فِي مُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ أَوْ الْمُدِّ، وَخَرَجَ بِقَوْلِي جِنْسًا مَا لَوْ لَمْ يَشْتَمِلْ أَحَدُ جَانِبَيْ الْعَقْدِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْآخَرُ كَبَيْعِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ بِصَاعِ بُرٍّ وَصَاعِ شَعِيرٍ أَوْ بِصَاعَيْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ، وَبَيْعِ دِينَارٍ صَحِيحٍ وَآخَرَ مُكَسَّرٍ بِصَاعِ تَمْرٍ بَرْنِيِّ وَصَاعٍ مَعْقِلِيٍّ أَوْ بِصَاعَيْنِ بَرْنِيِّ أَوْ مَعْقِلِيٍّ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَقَوْلُهُ رِبَوِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ: أَيْ وَلَوْ كَانَ الرِّبَوِيُّ ضِمْنًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ كَبَيْعِ سِمْسِمٍ بِدُهْنِهِ فَيَبْطُلُ لِوُجُودِ الدُّهْنِ فِي جَانِبٍ حَقِيقَةً وَفِي الْآخَرِ ضِمْنًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ضِمْنًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَبَيْعِ سِمْسِمٍ بِسِمْسِمٍ فَيَصِحُّ، وَبِلَيْسَ تَابِعًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَقْصُودِ مَا إذَا كَانَ تَابِعًا كَبَيْعِ حِنْطَةٍ بِشَعِيرٍ وَفِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا حَبَّاتٌ مِنْ الْآخَرِ يَسِيرَةٌ بِحَيْثُ لَا يُقْصَدُ تَمْيِيزُهَا لِتُسْتَعْمَلَ وَحْدَهَا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ صَاعَ بُرٍّ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ مُخْتَلِطًا بِمِثْلِهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِجَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ، إذْ الْمُتَوَزِّعُ شَرْطُهُ التَّمْيِيزُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ كَثُرَتْ حَبَّاتُ الْآخَرِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ أَنَّ الْحَبَّاتِ إذَا كَثُرَتْ فِي الْجِنْسِ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُمَاثَلَةُ بِخِلَافِ النَّوْعِ. وَكَبَيْعِ دَارٍ فِيهَا بِئْرُ مَاءٍ عَذْبٍ بِمِثْلِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ وَإِنْ اُعْتُبِرَ عِلْمُ الْعَاقِدَيْنِ بِهِ تَابِعٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَقْصُودِ الدَّارِ لِعَدَمِ تَوَجُّهِ الْقَصْدِ إلَيْهِ غَالِبًا. وَلَا يُنَافِي كَوْنُهُ تَابِعًا بِالْإِضَافَةِ كَوْنَهُ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ حَتَّى يُشْتَرَطَ التَّعَرُّضُ لَهُ فِي الْبَيْعِ لِيَدْخُلَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَابِعٌ بِالْإِضَافَةِ اُغْتُفِرَ مِنْ جِهَةِ الرِّبَا، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ اُعْتُبِرَ التَّعَرُّضُ لَهُ فِي الْبَيْعِ لِيَدْخُلَ فِيهِ، وَبِنَقْصِ قِيمَةِ الْمُكَسَّرَةِ عَنْ الصَّحِيحَةِ مَا لَوْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهَا فَلَا بُطْلَانَ. وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَقَدْ ظَهَرَ بِهَا مَعْدِنُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ لَمْ يَصِحَّ لَلرِّبَا؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ مَقْصُودٌ بِالْمُقَابَلَةِ، فَلَوْ ظَهَرَ بِهَا الْمَعْدِنُ بَعْدَ الشِّرَاءِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ تَابِعٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَقْصُودِ الدَّارِ وَالْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالدَّارِ خَاصَّةٌ. فَإِنْ قِيلَ لَا أَثَرَ لِلْجَهْلِ بِالْمُفْسِدِ فِي بَابِ الرِّبَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي غَيْرِ التَّابِعِ. وَأَمَّا فِي التَّابِعِ فَقَدْ يُتَسَامَحُ بِجَهْلِهِ. وَالْمَعْدِنُ مِنْ تَوَابِعِ الْأَرْضِ كَالْحَمْلِ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَنَعُوا بَيْعَ ذَاتِ لَبَنٍ بِذَاتِ لَبَنٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ كَهُوَ فِي الْإِنَاءِ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ، وَبِأَنَّ ذَاتَ اللَّبَنِ الْمَقْصُودُ مِنْهَا اللَّبَنُ، وَالْأَرْضُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْمَعْدِنَ. وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أُمُورٌ نُنَبِّهُ عَلَيْهَا تَشْحِينًا لِلذِّهْنِ. أَحَدُهَا قَوْلُهُ وَإِذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ، خَرَجَ بِهَا مَا إذَا تَعَدَّدَتْ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَتْ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ دُونَ مَا إذَا تَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي كَمَا مَرَّ. ثَانِيهَا: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ جِنْسًا قَبْلَ قَوْلِهِ رِبَوِيًّا كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ. لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ ذَهَبًا وَفِضَّةً بِحِنْطَةٍ فَقَطْ أَوْ بِشَعِيرٍ فَقَطْ أَوْ بِهِمَا. وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ دُخُولِهِ فِي الضَّابِطِ. ثَالِثُهَا: قَوْلُهُ وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ مِنْهُمَا لَيْسَ الْمُرَادُ الْجِنْسَ الرِّبَوِيَّ الْمُعْتَبَرَ وُجُودُهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَّحِدٌ كَمَا مَرَّ. وَإِنَّمَا الْمُرَادُ اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَبِيعِ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ الرِّبَوِيِّ جِنْسٌ آخَرُ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ مِثَالِهِ. فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ الْمَبِيعُ جِنْسًا لَاسْتَقَامَ. رَابِعُهَا: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْنِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْجِنْسُ مِنْهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ بِالْمُدِّ وَالدِّرْهَمِ فِي مُقَابَلَةِ الْمُدَّيْنِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوْعِ وَلَا فَرْقَ فَحَذَفَهُ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ. خَامِسُهَا: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْجِنْسُ الْآخَرُ مَقْصُودًا لِيَخْرُجَ التَّابِعُ لِلْمَقْصُودِ كَمَا مَرَّ. سَادِسُهَا: تَمْثِيلُهُ يَقْتَضِي التَّصْوِيرَ بِمَا إذَا كَانَ الْمَضْمُومَ إلَيْهِ رِبَوِيًّا، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَا فَرْقَ فِي الْجِنْسِ الْمَضْمُومِ إلَى الرِّبَوِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رِبَوِيًّا أَيْضًا أَمْ لَا كَمَا تَقَدَّمَ. سَابِعُهَا: تَمْثِيلُهُ لِاخْتِلَافِ النَّوْعِ بِالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ فِيهِ تَجَوُّزٌ، وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافُ صِفَةٍ لَا اخْتِلَافُ نَوْعٍ فَمُرَادُهُ بِالنَّوْعِ مَا لَيْسَ بِجِنْسٍ لِيَشْمَلَ النَّوْعَ وَالصِّفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ حَتَّى يَصِحَّ الْمِثَالُ. ثَامِنُهَا: أَطْلَقَ الْبُطْلَانَ فِي الصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ. وَلَا بُدَّ أَنْ تَنْقُصَ قِيمَةُ الْمُكَسَّرِ عَنْ الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ. تَاسِعُهَا: لَا يُشْتَرَطُ تَمْيِيزُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، فَلَوْ بَاعَ صَاعًا مِنْ رَدِيءٍ وَجَيِّدٍ مُخْتَلِطَيْنِ بِمِثْلِهِ أَوْ جَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ جَازَ كَمَا مَرَّ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَلَطَ الصِّحَاحَ بِالْمُكَسَّرَةِ. فُرُوعٌ: يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِاللَّوْزِ وَزْنًا، وَإِنْ اخْتَلَفَ قِشْرُهُمَا، وَسَيَأْتِي فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فِي السَّلَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَجُوزُ بَيْعُ لُبِّ الْجَوْزِ بِلُبِّ الْجَوْزِ وَلُبِّ اللَّوْزِ بِلُبِّ اللَّوْزِ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَنَعُوا بَيْعَ مَنْزُوعِ النَّوَى بِمِثْلِهِ لِبُطْلَانِ كَمَالِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا. أُجِيبَ بِأَنَّ مَنْزُوعَ النَّوَى أَسْرَعُ فَسَادًا مِنْ لُبِّهِمَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضِ مَعَ قِشْرِهِ بِالْبَيْضِ كَذَلِكَ وَزْنًا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا جَازَ جُزَافًا.
المتن: وَيَحْرُمُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ، وَكَذَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (وَيَحْرُمُ بَيْعُ اللَّحْمِ) وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالشَّحْمِ وَالْكَبِدِ وَالْقَلْبِ وَالْكُلْيَةِ وَالطِّحَالِ وَالْأَلْيَةِ (بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ) كَبَيْعِ لَحْمِ ضَأْنٍ بِضَأْنٍ (وَكَذَا) يَحْرُمُ (بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ مَأْكُولٍ) كَبَيْعِ لَحْمِ الْبَقَرِ بِالضَّأْنِ وَلَحْمِ السَّمَكِ بِالشَّاةِ وَلَحْمِ الشَّاةِ بِالْبَعِيرِ (وَغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَأْكُولٍ كَبَيْعِ لَحْمِ ضَأْنٍ بِحِمَارٍ (فِي الْأَظْهَرِ)، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُبَاعَ الشَّاةُ بِاللَّحْمِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ،. وَنَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا، وَأَسْنَدَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَمَةَ السَّاعِدِيِّ، وَمُقَابِل الْأَظْهَرِ الْجَوَازُ. أَمَّا فِي الْمَأْكُولِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ، فَبِالْقِيَاسِ عَلَى بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ. وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَوُجِّهَ بِأَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ بَيْعُ مَالِ الرِّبَا بِأَصْلِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا. أَمَّا بَيْعُ الْجِلْدِ بِالْحَيَوَانِ فَيَصِحُّ بَعْدَ دَبْغِهِ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ.
خَاتِمَةٌ: يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ شَاةٍ بِشَاةٍ حُلِبَ لَبَنُهَا فَإِنْ بَقِيَ فِيهَا لَبَنٌ بِقَصْدِ حَلْبِهِ لِكَثْرَتِهِ أَوْ بَاعَ ذَاتَ لَبَنٍ مَأْكُولَةٍ بِذَاتِ لَبَنٍ كَذَلِكَ مِنْ جِنْسِهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ التَّمْرُ فِي مُقَابَلَتِهِ فِي الْمُصَرَّاةِ بِخِلَافِ الْآدَمِيَّاتِ ذَوَاتِ اللَّبَنِ. فَقَدْ نُقِلَ فِي الْبَيَانِ عَنْ الشَّاشِيِّ الْجَوَازُ فِيهَا، وَفَرَّقَ بِأَنَّ لَبَنَ الشَّاةَ فِي الضَّرْعِ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ. وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ، فَإِنَّ لَهُ حُكْمَ الْمَنْفَعَةِ. وَلِهَذَا يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ. وَلَوْ بَاعَ لَبَنَ بَقَرَةٍ بِشَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ صَحَّ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا مَرَّ. أَمَّا بَيْعُ ذَاتِ لَبَنٍ بِغَيْرِ ذَاتِ لَبَنٍ فَصَحِيحٌ وَبَيْعُ بَيْضٍ بِدَجَاجَةٍ كَبَيْعِ لَبَنٍ بِشَاةٍ. فَإِنْ كَانَ فِي الدَّجَاجَةِ بَيْضٌ وَالْبَيْضُ الْمَبِيعُ بَيْضُ دَجَاجَةٍ لَمْ يَصِحَّ. وَالْأَصَحُّ، وَبَيْعُ دَجَاجَةٍ فِيهَا بَيْضٌ بِدَجَاجَةٍ كَذَلِكَ بَاطِلٌ كَبَيْعِ ذَاتِ لَبَنٍ بِمِثْلِهَا.
المتن: بَابُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ، وَهُوَ ضِرَابُهُ، وَيُقَالُ: مَاؤُهُ، وَيُقَالُ: أُجْرَةُ ضِرَابِهِ، فَيَحْرُمُ ثَمَنُ مَائِهِ، وَكَذَا أُجْرَتُهُ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: بَابٌ فِي الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَغَيْرِهَا، وَالْبُيُوعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا قِسْمَانِ: فَاسِدٌ لِاخْتِلَالِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ وَهُوَ الْمُصَدَّرُ بِهِ، وَغَيْرُ فَاسِدٍ لِكَوْنِ النَّهْيِ لَيْسَ لِخُصُوصِيَّتِهِ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ كَمَا سَيَأْتِي، وَتَعَاطِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حَرَامٌ فِي الرِّبَوِيِّ وَغَيْرِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ الْمَعْرُوفَةِ، وَهِيَ فِيمَا إذَا لَمْ يَبِعْهُ مَالِكُ الطَّعَامِ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ شِرَاءً فَاسِدًا إنْ أَمْكَنَ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ مُبْتَدِئًا بِوَاحِدٍ مِنْهَا، فَقَالَ ({نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ)} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَهُوَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ (ضِرَابُهُ) وَهُوَ بِكَسْرِ الضَّادِ طُرُوقُ الْفَحْلِ لِلْأُنْثَى. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ (وَيُقَالُ مَاؤُهُ) وَصَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَعَلَيْهِمَا لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرٍ فِي الْحَدِيثِ لِيَصِحَّ النَّهْيُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَسْبِ وَهُوَ الضِّرَابُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّهْيُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَالْإِعَارَةُ لَهُ مَحْبُوبَةٌ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ عَلَى الْأَوَّلِ أُجْرَةُ عَسْبِ الْفَحْلِ، وَعَلَى الثَّانِي ثَمَنُ مَائِهِ (وَيُقَالُ أُجْرَةُ ضِرَابِهِ) وَرَجَّحَهُ الْخَطَّابِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْكَافِي: أَيْ إنَّهُ نَهَى عَنْ بَذْلِ ذَلِكَ وَأَخْذِهِ. فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ؟.. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ مُقَدَّرَةٌ، وَعَلَى الثَّالِثِ ظَاهِرَةٌ. وَهَذَا كَافٍ فِي الْفَرْقِ (فَيَحْرُمُ ثَمَنُ مَائِهِ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي النَّهْيِ مِنْ التَّحْرِيمِ، وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَلَا مَعْلُومٍ وَلَا مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ (وَكَذَا) يَحْرُمُ (أُجْرَتُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِمَا ذُكِرَ، وَلَمْ تَصِحَّ إجَارَتُهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الضِّرَابِ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ لِلْمَالِكِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِ الْفَحْلِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ كَالِاسْتِئْجَارِ لِتَلْقِيحِ النَّخْلِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَجِيرَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ عَيْنٌ حَتَّى لَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ مَا يُلَقَّحُ بِهِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، وَهَهُنَا الْمَقْصُودُ الْمَاءُ وَالْمُؤَجِّرُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لِمَالِكِ الْأُنْثَى أَنْ يُعْطِيَ مَالِكَ الْفَحْلِ شَيْئًا هَدِيَّةً، وَإِعَارَتُهُ لِلضِّرَابِ مَحْبُوبَةٌ كَمَا مَرَّ.
المتن: وَعَنْ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَهُوَ نَتَاجُ النَّتَاجِ بِأَنْ يَبِيعَ نَتَاجَ النَّتَاجِ أَوْ بِثَمَنٍ إلَى نَتَاجِ النَّتَاجِ.
الشَّرْحُ: (وَ) الثَّانِي مِنْهَا النَّهْيُ (عَنْ) بَيْعِ (حَبَلِ الْحَبَلَةِ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَهُوَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَغَلِطَ مَنْ سَكَّنَهَا (نَتَاجُ النَّتَاجِ بِأَنْ يَبِيعَ نَتَاجَ النَّتَاجِ) هَذَا تَفْسِيرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ انْتِفَاءُ الْمِلْكِ وَغَيْرِهِ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ (أَوْ) يَبِيعَ شَيْئًا (بِثَمَنٍ إلَى نَتَاجِ النَّتَاجِ) وَهَذَا تَفْسِيرُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ، وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ جَهَالَةُ الْأَجَلِ.
تَنْبِيهٌ: الْحَبَلَةُ جَمْعُ حَابِلٍ، وَقِيلَ هُوَ مُفْرَدٌ وَهَاؤُهُ لِلْمُبَالَغَةِ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْحَدِيثِ مَجَازٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ إطْلَاقُ الْحَبَلِ عَلَى الْبَهَائِمِ مَعَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْآدَمِيَّاتِ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى قِيلَ: إنَّهُ لَا يُقَالُ لِغَيْرِهِنَّ إلَّا فِي الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلْبَهَائِمِ الْحَمْلُ بِالْمِيمِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمَحْبُولُ بِهِ، وَالنَّتَاجُ بِفَتْحِ النُّونِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ بِكَسْرِهَا وَهُوَ الَّذِي يَتَلَفَّظُ بِهِ الْفُقَهَاءُ. يُقَالُ: نُتِجَتْ النَّاقَةُ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ.
المتن: وَعَنْ الْمَلَاقِيحِ وَهِيَ مَا فِي الْبُطُونِ.
الشَّرْحُ: (وَ) الثَّالِثُ مِنْهَا النَّهْيُ (عَنْ) بَيْعِ (الْمَلَاقِيحِ) جَمْعُ مَلْقُوحٍ، وَهُوَ لُغَةً جَنِينُ النَّاقَةِ خَاصَّةً، وَشَرْعًا: أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَهِيَ مَا فِي الْبُطُونِ) مِنْ الْأَجِنَّةِ.
المتن: وَالْمَضَامِينِ وَهِيَ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ.
الشَّرْحُ: (وَ) الرَّابِعُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ (الْمَضَامِينِ) جَمْعُ مَضْمُونٍ كَمَجَانِينَ جَمْعُ مَجْنُونٍ أَوْ مِضْمَانٍ كَمَفَاتِيحَ جَمْعُ مِفْتَاحٍ (وَهِيَ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ) مِنْ الْمَاءِ. رَوَى النَّهْيَ عَنْ بَيْعِهِمَا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا وَالْبَزَّارُ مُسْنَدًا، وَبُطْلَانُ بَيْعِهِمَا لِانْتِفَاءِ الشُّرُوطِ.
المتن: وَالْمُلَامَسَةِ بِأَنْ يَلْمَسَ ثَوْبًا مَطْوِيًّا ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَآهُ أَوْ يَقُولَ إذَا لَمَسْته فَقَدْ بِعْتُكَهُ.
الشَّرْحُ: (وَ) الْخَامِسُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ (الْمُلَامَسَةِ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (بِأَنْ يَلْمَسَ ثَوْبًا مَطْوِيًّا) أَوْ فِي ظُلْمَةٍ (ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَآهُ) اكْتِفَاءً بِلَمْسِهِ عَنْ رُؤْيَتِهِ (أَوْ يَقُولَ إذَا لَمَسْته فَقَدْ بِعْتُكَهُ) اكْتِفَاءً بِلَمْسِهِ عَنْ الصِّيغَةِ، وَبُطْلَانُ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَعَدَمُ الصِّيغَةِ عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي.
المتن: وَالْمُنَابَذَةِ بِأَنْ يَجْعَلَا النَّبْذَ بَيْعًا.
الشَّرْحُ: (وَ) السَّادِسُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ (الْمُنَابَذَةِ) بِالْمُعْجَمَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَالنَّبْذُ الطَّرْحُ وَالْإِلْقَاءُ. قَالَ تَعَالَى: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} (بِأَنْ يَجْعَلَا النَّبْذَ بَيْعًا) اكْتِفَاءً بِهِ عَنْ الصِّيغَةِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: أَنْبِذُ إلَيْكَ ثَوْبِي بِعَشْرَةٍ فَيَأْخُذُهُ الْآخَرُ، وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ فَقْدُ الصِّيغَةِ، وَيَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُعَاطَاةِ، فَإِنَّ الْمُنَابَذَةَ مَعَ قَرِينَةِ الْبَيْعِ هِيَ الْمُعَاطَاةُ بِعَيْنِهَا. هَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ حَتَّى قِيلَ: إنَّ النَّصَّ عَلَى الْمَنْعِ هُنَا نَصٌّ عَلَى إبْطَالِ الْمُعَاطَاةِ. وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ قَالَ: لِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ فِعْلٌ مَعَهُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِ الْبَيْعِ حَتَّى كَأَنَّهُ وُضِعَ عُرْفًا لِذَلِكَ، وَهَذَا مَا عُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا بِقَوْلِهِ: إذَا نَبَذْت فَقَدْ بِعْت، وَحَالَةَ النَّبْذِ لَمْ يُوجَدْ قَصْدٌ وَلَا قَرِينَةٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ حَقِيقَةَ الْمُعَاطَاةِ ا هـ. أَوْ يَقُولُ بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا عَلَى أَنِّي إذَا نَبَذْته إلَيْكَ لَزِمَ الْبَيْعُ وَانْقَطَعَ الْخِيَارُ، وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ فِي ذَلِكَ وُجُودُ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ.
المتن: وَبَيْعِ الْحَصَاةِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا تَقَعُ هَذِهِ الْحَصَاةُ عَلَيْهِ أَوْ يَجْعَلَا الرَّمْيَ بَيْعًا، أَوْ بِعْتُكَ وَلَك الْخِيَارُ إلَى رَمْيِهَا.
الشَّرْحُ: (وَ) السَّابِعُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ (بَيْعِ الْحَصَاةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (بِأَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا تَقَعُ هَذِهِ الْحَصَاةُ عَلَيْهِ) أَوْ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ هُنَا إلَى مَا انْتَهَتْ إلَيْهِ هَذِهِ الْحَصَاةُ (أَوْ يَجْعَلَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (الرَّمْيَ) لَهَا (بَيْعًا) بِأَنْ يَقُولَ إذَا رَمَيْتَ هَذِهِ الْحَصَاةَ فَقَدْ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا (أَوْ) يَجْعَلَاهُ قَاطِعًا لِلْخِيَارِ بِأَنْ يَقُولَ (بِعْتُكَ وَلَك) أَوْ لِي أَوْ لِغَيْرِهِمَا (الْخِيَارُ إلَى رَمْيِهَا) وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ فِي الْأَوَّلِ جَهَالَةُ الْمَبِيعِ وَفِي الثَّانِي فِقْدَانُ الصِّيغَةِ، وَفِي الثَّالِثِ الْجَهْلُ بِمُدَّةِ الْخِيَارِ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَجُوزُ عَطْفُ الثَّالِثِ عَلَى مَا قَبْلَهُ بَلْ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُمَا مَعْمُولَانِ لِقَوْلِهِ فِي الْأَوَّلِ بِأَنْ يَقُولَ، فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى الثَّانِي أَوْ يَزِيدَ لَفْظَةً يَقُولُ كَمَا قَدَّرْتُهَا تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ.
المتن: وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ أَوْ بِعْتُكَ ذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَكَ بِكَذَا، وَعَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ كَبَيْعٍ بِشَرْطِ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ.
الشَّرْحُ: (وَ) الثَّامِنُ مِنْهَا النَّهْيُ (عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ) هَذَا (بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ) فَخُذْ بِأَيِّهِمَا شِئْتَ أَنْتَ أَوْ شِئْتُ أَنَا وَهُوَ بَاطِلٌ لِلْجَهَالَةِ (أَوْ بِعْتُكَ ذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَكَ بِكَذَا) أَوْ تَشْتَرِيَ دَارِي مِنِّي بِكَذَا (وَ) عَدَمُ الصِّحَّةِ لِلنَّهْيِ (عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ) رَوَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ وَذَلِكَ (كَبَيْعٍ بِشَرْطِ بَيْعٍ) كَمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) بِشَرْطِ (قَرْضٍ) كَأَنْ يَبِيعَهُ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ مِائَةً، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَلْفَ وَرَفَقَ الْعَقْدَ الثَّانِيَ ثَمَنًا. وَاشْتِرَاطُ الْعَقْدِ الثَّانِي فَاسِدٌ فَبَطَلَ بَعْضُ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ حَتَّى يَفْرِضَ التَّوْزِيعَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْبَاقِي فَبَطَلَ الْعَقْدُ، وَلَوْ عَقَدَ الْبَيْعَ الثَّانِيَ لَمْ يَصِحَّ إنْ جَهِلَا أَوْ أَحَدُهُمَا بُطْلَانَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَاهُ عَلَى حُكْمِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، فَإِنْ عَلِمَا فَسَادَ الْأَوَّلِ صَحَّ، وَسَبَبُ فَسَادِ الشَّرْطِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ إنَّ انْضِمَامَ الشَّرْطِ إلَى الْبَيْعِ يَبْقَى عَلَقَةً بَعْدَ الْبَيْعِ يَثُورُ بِسَبَبِهَا مُنَازَعَةٌ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَبَطَلَ: أَعْنِي الشَّرْطَ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ لِمَعْنًى كَمَا سَيَأْتِي.
المتن: وَلَوْ اشْتَرَى زَرْعًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ أَوْ ثَوْبًا وَيَخِيطَهُ فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ، وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ أَوْ بِشَرْطِ قَطْعِ الثَّمَرِ أَوْ الْأَجَلِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ الْمُعَيِّنَاتِ لِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ
الشَّرْحُ: تَنْبِيهٌ قَالَ: اشْتَرَيْتُهُ بِعَشْرَةٍ وَاسْتَأْجَرْتُكَ لِحَصْدِهِ أَوْ خِيَاطَتِهِ بِدِرْهَمٍ وَقَبِلَ بِأَنْ قَالَ بِعْتُكَ وَآجَرْتُك (وَلَوْ اشْتَرَى زَرْعًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ) بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِهَا أَوْ وَيَحْصُدُهُ الْبَائِعُ (أَوْ ثَوْبًا) بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ أَوْ (وَيَخِيطَهُ) الْبَائِعُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (فَالْأَصَحُّ) مِنْ طُرُقٍ ثَلَاثَةٍ (بُطْلَانُهُ) أَيْ الشِّرَاءِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى شَرْطِ عَمَلٍ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي الْآنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ الشَّرْطِ، وَذَلِكَ فَاسِدٌ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ الْقَوْلَانِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ يَبْطُلُ، وَفِي الْبَيْعِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِلَفْظِ الشَّرْطِ فِي الْمِثَالَيْنِ، فَقَالَ: أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَعَدَلَ إلَى مَا ذَكَرَهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى فَائِدَةٍ نَفِيسَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَرِّحَ بِالشَّرْطِ أَوْ يَأْتِيَ بِهِ عَلَى صُورَةِ الْإِخْبَارِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، فَقَالَ: وَسَوَاءٌ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَحْصُدَهُ أَوْ وَتَحْصُدُهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: لَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ قَطْعًا وَفِي الثَّانِي الطَّرِيقَانِ ا هـ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الرَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ إلَى هَذِهِ الْفَائِدَةِ وَلَا الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْته بِعَشْرَةٍ وَاسْتَأْجَرْتُك لِحَصْدِهِ أَوْ خِيَاطَتِهِ بِدِرْهَمٍ وَقَبِلَ، بِأَنْ قَالَ: بِعْتُكَ وَآجَرْتُك صَحَّ الْبَيْعُ دُونَ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ قَبْلَ الْمَالِكِ لِمَحَلِّ الْعَمَلِ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِالْعَشَرَةِ فَقَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْبَيْعِ وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ اشْتَرَى حَطَبًا مَثَلًا عَلَى دَابَّةٍ بِشَرْطِ إيصَالِهِ مَنْزِلَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ عَرَفَ مَنْزِلَهُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِشَرْطٍ، فَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ صَحَّ، وَلَا يَجِبُ إيصَالُهُ مَنْزِلَهُ وَإِنْ اُعْتِيدَ بَلْ يُسَلِّمُهُ لَهُ فِي مَوْضِعِهِ (وَيُسْتَثْنَى) مِنْ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ (صُوَرٌ) تَصِحُّ كَمَا سَيَأْتِي (كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ أَوْ بِشَرْطِ قَطْعِ الثَّمَرِ) وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي مَحَالِّهَا (أَوْ) بِشَرْطِ (الْأَجَلِ) فِي عَقْدِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ كَالرِّبَوِيَّاتِ (وَالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ الْمُعَيِّنَاتِ لِثَمَنٍ) أَوْ مَبِيعٍ (فِي الذِّمَّةِ) أَمَّا الْأَجَلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أَيْ مُعَيَّنٍ. نَعَمْ التَّأْجِيلُ بِمَا يُسْتَبْعَدُ بَقَاءُ الدُّنْيَا إلَيْهِ كَأَلْفِ سَنَةٍ فَاسِدٌ كَمَا قَالَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَأَمَّا الرَّهْنُ وَالْكَفِيلُ فَلِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا فِي مُقَابَلَةِ مَنْ لَا يَرْضَى إلَّا بِهِمَا وَالتَّعْيِينُ فِي الرَّهْنِ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ الْوَصْفِ بِصِفَاتِ السَّلَمِ، وَفِي الْكَفِيلِ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ، وَلَا يَكْفِي الْوَصْفُ كَمُوسِرٍ ثِقَةٍ، وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِهِ وَقَالَ: إنَّهُ أَوْلَى مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِمُشَاهَدَةِ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَحْرَارَ لَا يُمْكِنُ الْتِزَامُهُمْ فِي الذِّمَّةِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ، فَإِنَّهُ مَالٌ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَهَذَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ الضَّامِنُ رَقِيقًا. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ غَيْرَ الْمَبِيعِ، فَإِنْ شَرَطَا رَهْنَهُ لَمْ يَصِحَّ، سَوَاءٌ اشْتَرَطَ أَنْ يَرْهَنَهُ إيَّاهُ بَعْدَ قَبْضِهِ أَمْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ الشَّرْطِ، فَإِنْ رَهَنَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ بِلَا شَرْطٍ صَحَّ.
تَنْبِيهٌ: أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: الْمُعَيَّنَاتُ إلَى تَعْيِينِ الثَّلَاثَةِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: الْمُعَيَّنَيْنِ تَغْلِيبًا لِلْعَاقِلِ، وَهُوَ الْكَفِيلُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: بِعِوَضٍ حَتَّى يَشْمَلَ الْمَبِيعَ لَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ، فَإِنَّ الْمَبِيعَ قَدْ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْك صَاعًا فِي ذِمَّتُك بِصِفَةِ كَذَا فَيَصِحُّ فِيهِ اشْتِرَاطُ الْأَجَلِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ، وَخَرَجَ بِقَيْدٍ فِي الذِّمَّةِ الْمُعَيَّنُ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمَ عَلَى أَنْ تُسَلِّمَهَا إلَيَّ وَقْتَ كَذَا أَوْ تَرْهَنَ بِهَا كَذَا أَوْ يَضْمَنُك بِهَا فُلَانٌ فَإِنَّ الْعَقْدَ بِهَذَا الشَّرْطِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رِفْقٌ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الْحَقِّ وَالْمُعَيَّنُ حَاصِلٌ، فَشَرْطُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مَعَهُ وَاقِعٌ فِي غَيْرِ مَا شُرِعَ لَهُ، وَأَمَّا صِحَّةُ ضَمَانِ الْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ فَمَشْرُوطٌ بِقَبْضِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ وَبِالثَّمَنِ، وَالْمَبِيعُ مَا لَوْ شُرِطَ رَهْنًا أَوْ ضَامِنًا بِدَيْنٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مَقْصُودٌ لَا يُوجِبُهُ الْعَقْدُ، وَلَيْسَ مِنْ مَصَالِحِهِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الْكَفِيلَ مَا لَوْ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ اثْنَيْنِ وَشَرَطَ أَنْ يَتَضَامَنَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْوَسِيطِ وَغَيْرِهِمَا، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ شُرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ مَصْلَحَةِ عَقْدِهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ.
المتن: وَالْإِشْهَادِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الشُّهُودِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ لَمْ يَرْهَنْ أَوْ لَمْ يَتَكَفَّلْ الْمُعَيَّنُ فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ.
الشَّرْحُ: (وَ) بِشَرْطِ (الْإِشْهَادِ) عَلَى الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ سَوَاءٌ الْمُعَيَّنُ وَمَا فِي الذِّمَّةِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} وَلِلْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الشُّهُودِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ثُبُوتُ الْحَقِّ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِأَيِّ عُدُولٍ كَانُوا. وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ كَمَا فِي الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ عَيَّنَهُمْ لَمْ يَتَعَيَّنُوا، وَلَا خِيَارَ لِمَنْ شَرَطَ ذَلِكَ إذَا امْتَنَعُوا فَيَجُوزُ إبْدَالُهُمْ بِمِثْلِهِمْ أَوْ فَوْقَهُمْ فِي الصِّفَاتِ (فَإِنْ لَمْ) يَشْهَدْ مَنْ شُرِطَ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ كَأَنْ مَاتَ قَبْلَهُ أَوْ لَمْ (يَرْهَنْ) مَا شُرِطَ رَهْنُهُ كَأَنْ تَلِفَ الْمَرْهُونُ أَوْ أَعْتَقَهُ مَالِكُهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ بَانَ مَعِيبًا قَبْلَ الْقَبْضِ (أَوْ لَمْ يَتَكَفَّلْ الْمُعَيَّنُ) كَأَنْ مَاتَ قَبْلَهُ (فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ) إنْ شُرِطَ لَهُ، وَإِنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ إذَا فَاتَ الْمَشْرُوطُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ لِفَوَاتِ الْمَشْرُوطِ وَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ نَقْصٍ، وَلَا يُجْبَرُ مَنْ شُرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا شَرَطَ لِزَوَالِ الضَّرَرِ بِالْفَسْخِ، وَلَا يَقُومُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مَقَامَهُ إذَا تَلِفَ وَلَا خِيَارَ لَهُ إنْ تَعَيَّبَ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَّا إنْ اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ سَابِقٍ جَهِلَهُ، كَرِدَّةٍ وَسَرِقَةٍ سَابِقَيْنِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ بِمَرَضٍ سَابِقٍ، وَلَوْ تَغَيَّرَ حَالُ الْكَفِيلِ بِإِعْسَارٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَفَّلَ، أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ تَغَيَّرَ قَبْلَهُ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلْحَاقُهُ بِالرَّهْنِ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ بِالْعَيْبِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَرْهُونِ فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا أَمْكَنَهُ رَدُّ الْمَرْهُونِ كَمَا أَخَذَهُ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْهَلَاكُ يُوجِبُ الْقِيمَةَ فَأَخَذَهَا الْمُرْتَهِنُ رَهْنًا ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ، فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ.
المتن: وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ إعْتَاقِهِ فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي بِالْإِعْتَاقِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ بَاعَ) رَقِيقًا (عَبْدًا) أَوْ أَمَةً (بِشَرْطِ إعْتَاقِهِ) مُطْلَقًا أَوْ عَنْ الْمُشْتَرِي (فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ) لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ {أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ وَشَرَطَ مَوَالِيهَا أَنْ تَعْتِقَهَا وَيَكُونَ وَلَاؤُهَا لَهُمْ، فَلَمْ يُنْكِرْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا شَرْطَ الْوَلَاءِ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ}. وَالثَّانِي: لَا يَصِحَّانِ كَمَا لَوْ شُرِطَ بَيْعُهُ أَوْ هِبَتُهُ. وَالثَّالِثُ: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَمَا فِي النِّكَاحِ. أَمَّا إذَا شَرَطَ إعْتَاقَهُ عَنْ الْبَائِعِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ، وَخَرَجَ بِإِعْتَاقِ الْمَبِيعِ شَرْطُ إعْتَاقِ غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ مَعَهُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَصَالِحِهِ وَشُرِطَ إعْتَاقُ بَعْضِهِ. نَعَمْ إنْ عَيَّنَ الْمِقْدَارَ الْمَشْرُوطَ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الصِّحَّةُ، وَلَوْ بَاعَ بَعْضَهُ بِشَرْطِ إعْتَاقِ ذَلِكَ الْبَعْضِ صَحَّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَهْجَةِ كَالْحَاوِي. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ الْمَشْرُوطُ إعْتَاقَهُ قَرِيبَهُ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ كَأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ قَبْلَ إعْتَاقِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَيَكُونُ شَرْطُهُ تَوْكِيدًا لِلْمَعْنَى. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ شِرَاءَ مَنْ أُقِرَّ بِحُرِّيَّتِهِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ، وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ا هـ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ (وَالْأَصَحُّ) عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي بِالْإِعْتَاقِ)، وَإِنْ قُلْنَا الْحَقُّ فِيهِ لَيْسَ لَهُ بَلْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَالْمُلْتَزِمِ بِالنَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ لُزِمَ بِاشْتِرَاطِهِ، وَيُثَابُ عَلَى شَرْطِهِ فَلَهُ غَرَضٌ فِي تَحْصِيلِهِ، وَلِذَلِكَ قَدْ يُتَسَامَحُ فِي الثَّمَنِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلِمَ لَا يُقَالُ لِلْآحَادِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ حِسْبَةً، لَا سِيَّمَا عِنْدَ مَوْتِ الْبَائِعِ أَوْ جُنُونِهِ. وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ قُلْنَا: الْعِتْقُ حَقٌّ لِلْبَائِعِ، فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ قَطْعًا وَلَوْ أَسْقَطَ الْبَائِعُ حَقَّهُ سَقَطَ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا لَوْ شَرَطَ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا ثُمَّ عَفَا عَنْهُ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْإِعْتَاقِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا مَرَّ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ أَعْتَقَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي، وَقِيلَ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَعْتِقَهُ. أَمَّا إذَا قُلْنَا الْحَقُّ فِيهِ لِلْبَائِعِ لَمْ يُجْبِرْهُ بَلْ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ، وَإِذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ الْحَاكِمُ عَنْهُ فَالْوَلَاءُ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا الْحَقُّ فِيهِ لِلْبَائِعِ، وَلِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْعِتْقِ اسْتِخْدَامُهُ وَأَكْسَابُهُ وَقِيمَتُهُ إنْ قُتِلَ وَلَا يُكَلَّفُ صَرْفَهَا إلَى عِتْقِ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرَى أَمَةً كَانَ لَهُ وَطْؤُهَا عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ أَوْلَدَهَا لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْإِعْتَاقِ بَلْ عَلَيْهِ إعْتَاقُهَا وَلَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ وَلَوْ بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُتَعَيَّنٌ عَلَيْهِ، وَلَا الْإِجَارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ جَنَى قَبْلَ إعْتَاقِهِ لَزِمَهُ فِدَاؤُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهَا، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ الْبَائِعُ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِتْقَ بِجِهَةِ الشَّرْطِ فَلَا يُصْرَفُ إلَى غَيْرِهَا كَمَا لَا يُعْتَقُ الْمَنْذُورُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعْتَاقُ فَوْرًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا طَلَبَهُ مِنْهُ الْحَاكِمُ أَوْ الْبَائِعُ أَوْ ظَنَّ فَوَاتَهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ، فَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ إعْتَاقِهِ فَالْقِيَاسُ أَنَّ وَارِثَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ، هَذَا ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ مَنْ اسْتَوْلَدَهَا. أَمَّا مَنْ اسْتَوْلَدَهَا فَيَنْبَغِي أَنَّهَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ: إنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِعْتَاقٍ، إذْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ طَلَبُ الْعِتْقِ، لَا أَنَّهَا لَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إلَى الْعِتْقِ مَا أَمْكَنَ، وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَعِتْقُهَا بِمَوْتِهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ نَأْمُرَ الْوَارِثَ لِيُعْتِقَهَا، وَلَوْ شَرَطَ عِتْقَ حَامِلٍ فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَعْتَقَهَا لَمْ يُعْتَقْ الْوَلَدُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ بِالْوِلَادَةِ.
المتن: وَأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ مَعَ الْعِتْقِ الْوَلَاءَ لَهُ أَوْ شَرَطَ تَدْبِيرَهُ أَوْ كِتَابَتَهُ أَوْ إعْتَاقَهُ بَعْدَ شَهْرٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ.
الشَّرْحُ: (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ مَعَ الْعِتْقِ الْوَلَاءَ لَهُ) أَيْ الْبَائِعُ (أَوْ شَرَطَ تَدْبِيرَهُ) أَوْ تَعْلِيقَ عِتْقِهِ بِصِفَةٍ (أَوْ كِتَابَتَهُ أَوْ إعْتَاقَهُ بَعْدَ شَهْرٍ) مَثَلًا (لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِمُخَالَفَتِهِ مَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ مِنْ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ. وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ " بِمَعْنَى عَلَيْهِمْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} وَشَرْطُ الْوَلَاءِ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ. وَأَمَّا فِي الْبَاقِي: فَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُ مَا تَشَوَّفَ إلَيْهِ الشَّارِعُ مِنْ الْعِتْقِ النَّاجِزِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَاشْتِرَاطُ الْوَقْفِ كَاشْتِرَاطِ التَّدْبِيرِ وَنَحْوِهِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: مَعَ الْعِتْقِ عَمَّا إذَا شَرَطَ الْوَلَاءَ فَقَطْ بِأَنْ قَالَ: إنْ أَعْتَقْتُهُ فَوَلَاؤُهُ لِي فَإِنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ تَابِعٌ لِلْعِتْقِ، وَهُوَ لَمْ يَشْتَرِطْ الْأَصْلَ، وَلَوْ بَاعَ رَقِيقًا بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِشَرْطِ أَنْ يَقِفَهَا أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ.
المتن: وَلَوْ شَرَطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَالْقَبْضِ وَالرَّدِّ بِعَيْبٍ أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا كَذَا صَحَّ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ شَرَطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَالْقَبْضِ وَالرَّدِّ بِعَيْبٍ أَوْ) شَرَطَ (مَا لَا غَرَضَ فِيهِ، كَشَرْطِ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا كَذَا) كَهَرِيسَةٍ أَوْ لَا يَلْبَسُهُ إلَّا كَذَا كَحَرِيرٍ (صَحَّ) الْعَقْدُ فِيهِمَا. أَمَّا فِي الْأُولَى؛ فَلِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ تَأْكِيدٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّ ذِكْرَهُ لَا يُوَرِّثُ تَنَازُعًا فِي الْغَالِبِ فَذِكْرُهُ فِيهَا لَغْوٌ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَنَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ إلْزَامَ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُصَلِّيَ النَّوَافِلَ، أَوْ يَصُومَ شَهْرًا غَيْرَ رَمَضَانَ، أَوْ يُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا فَسَدَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامُ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ. قَالَ: وَقَضِيَّتُهُ فَسَادُ الْعَقْدِ فِي مَسْأَلَةِ الْهَرِيسَةِ وَالْحَرِيرِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ تَصْرِيحًا بِالْبُطْلَانِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ التَّتِمَّةِ، وَهُوَ عَجِيبٌ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، فَقَالَ: وَإِذَا بَاعَهُ الْعَبْدُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْ فُلَانٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَسْتَخْدِمَهُ أَوْ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ الْبُطْلَانُ وَأَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَطَّلِعْ فِيهِ إلَّا عَلَى كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَعْدُودِينَ فِي الْمُصَنِّفِينَ لَا فِي أَصْحَابِ الْوُجُوهِ. قَالَ وَقَدْ اخْتَارَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَابْنُ الرِّفْعَةِ: فِي لَا يَأْكُلُ إلَّا الْهَرِيسَةَ أَنْ يُقْرَأَ بِتَاءِ الْخِطَابِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا غَرَضَ فِيهِ أَصْلًا، بِخِلَافِ مَا إذَا قُرِئَ بِالْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ فَقَدْ يُتَخَيَّلُ فِيهِ الْإِفْسَادُ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ الْعَبْدَ كَالْإِعْتَاقِ، وَمَا قَالَاهُ بَعِيدٌ عَنْ السِّيَاقِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ نَقْلًا كَمَا بَيَّنْتُهُ. وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ مَا فِي التَّتِمَّةِ مَحَلُّهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَصْلًا، وَمَسْأَلَتُنَا مَحَلُّهَا فِيمَا يَلْزَمُهُ فِي الْجُمْلَةِ؛ إذْ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ، وَقَدْ شُرِطَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا مِنْ أَحَدِ الْأَنْوَاعِ الَّتِي تَتَأَدَّى هِيَ بِبَعْضِهَا فَيَصِحُّ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهَا، فَأَشْبَهَ خِصَالَ الْكَفَّارَةِ لَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهَا بِالتَّعْيِينِ. قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى التَّقْدِيرِ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ وَإِلَى أَنَّهُ يُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ أُدْمَيْنِ أَوْ نَوْعَيْنِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ، وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ فَإِذَا شَرَطَ فَقَدْ شَرَطَ مَا لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَأَبْطَلَهُ. قَالَ وَفِي التَّمْثِيلِ بِلِبْسِ الْحَرِيرِ نَظَرٌ إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَالِغًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ بَاعَ سَيْفًا بِشَرْطِ أَنْ يَقْطَعَ بِهِ الطَّرِيقَ. وَأَجَابَ عَنْهُ شَيْخِي بِأَنَّ لُبْسَ الْحَرِيرِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْمَنْظَرِ بِهِ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَلَوْ بَاعَهُ إنَاءً بِشَرْطِ أَنْ لَا يَجْعَلَ فِيهِ مُحَرَّمًا أَوْ سَيْفًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْطَعَ بِهِ الطَّرِيقَ أَوْ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُعَاقِبَهُ بِمَا لَا يَجُوزُ صَحَّ الْبَيْعُ، وَيُقَاسُ بِهِ مَا يُشَابِهُهُ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ الدَّارَ عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَهَا بِأَلْفٍ صَحَّ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا بِأَلْفٍ إلَّا نِصْفَهَا.
المتن: وَلَوْ شَرَطَ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ شَرَطَ) الْبَائِعِ بِمُوَافَقَةِ الْمُشْتَرِي حَبْسَ الْمَبِيعِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الزَّمَنَ الْحَالَّ لَا الْمُؤَجَّلَ وَخَافَ فَوْتَ الثَّمَنِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَلَمْ يَقُلْ بِالْبُدَاءَةِ بِالْبَائِعِ صَحَّ؛ لِأَنَّ حَبْسَهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا وَلَمْ يَخَفْ فَوْتَهُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ حِينَئِذٍ بِالتَّسْلِيمِ لِلْبَائِعِ.
المتن: وَلَوْ شَرَطَ وَصْفًا يُقْصَدُ: كَكَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا، أَوْ الدَّابَّةِ حَامِلًا، أَوْ لَبُونًا صَحَّ، وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ أَخْلَفَ، وَفِي قَوْلٍ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي الدَّابَّةِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ شَرَطَ وَصْفًا يُقْصَدُ كَكَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا أَوْ الدَّابَّةِ) أَوْ الْأَمَةِ (حَامِلًا أَوْ) الدَّابَّةِ (لَبُونًا) أَيْ ذَاتَ لَبَنٍ (صَحَّ) الْعَقْدُ مَعَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْأَغْرَاضُ؛ وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ الْتِزَامُهُ عَلَى إنْشَاءِ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَإِنْ سُمِّيَ شَرْطًا تَجَوُّزًا فَإِنَّ الشَّرْطَ لَا يَكُونُ إلَّا مُسْتَقْبَلًا، وَيَكْفِي فِي الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا الِاسْمُ. نَعَمْ لَوْ شَرَطَ حُسْنَ الْخَطِّ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحْسَنٍ فِي الْعُرْفِ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَلَوْ شَرَطَ وَضْعَ الْحَمْلِ لِشَهْرٍ مَثَلًا أَوْ أَنَّهَا تَدِرُّ كُلَّ يَوْمٍ صَاعًا مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فِيهِمَا وَغَيْرُ مُنْضَبِطٍ فِي الثَّانِيَةِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَكْتُبَ الْعَبْدُ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ وَرَقَاتٍ مَثَلًا.
تَنْبِيهٌ: قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْكِتَابِ: وَلَوْ أَبْدَلَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ الدَّابَّةِ بِالْحَيَوَانِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَشْمَلَ الْأَمَةَ، فَإِنَّ حُكْمَهَا كَذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَدَّرْتُهَا فِي كَلَامِهِ، وَلَعَلَّ هَذَا حَمْلُ الدَّابَّةِ عَلَى الْعُرْفِ، فَإِنْ حُمِلَتْ عَلَى اللُّغَةِ فَهُوَ كَالتَّعْبِيرِ بِالْحَيَوَانِ (وَلَهُ الْخِيَارُ) فَوْرًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (إنْ أَخْلَفَ) الْمَشْرُوطَ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ (وَفِي قَوْلٍ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي الدَّابَّةِ) بِصُورَتَيْهَا بِالشَّرْطِ لَا بِالْخُلْفِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ مَعَهَا شَيْئًا مَجْهُولًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَهَا وَحَمْلَهَا. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوَصْفُ بِهِ لَا إدْخَالُهُ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَخَرَجَ بِيُقْصَدُ مَا لَا يُقْصَدُ بَلْ هُوَ مِنْ الْعُيُوبِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ بِفَوَاتِهِ، بَلْ إنْ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ فَهُوَ بَيَانٌ لِلْعَيْبِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَهُوَ فِي حُكْمِ الرِّضَا بِالْعَيْبِ، وَلَوْ شَرَطَ ثُيُوبَتَهَا فَخَرَجَتْ بِكْرًا فَلَا خِيَارَ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِلْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّهُ خَصِيٌّ فَبَانَ فَحْلًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، قَالُوا: لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْحُرُمِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَمْسُوحُ، وَإِلَّا فَبَاقِي الذَّكَرِ كَالْفَحْلِ فِي وُجُوبِ الِاحْتِجَابِ مِنْهُ.
المتن: وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا وَحَمْلَهَا بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا) أَيْ الدَّابَّةَ وَمِثْلُهَا الْأَمَةُ (وَحَمْلَهَا) أَوْ بِعْتُكَهَا وَلَبَنَ ضَرْعِهَا (بَطَلَ) الْبَيْعُ (فِي الْأَصَحِّ) لِجَعْلِهِ الْحَمْلَ أَوْ اللَّبَنَ الْمَجْهُولَ مَبِيعًا مَعَ الْمَعْلُومِ بِخِلَافِ بَيْعِهَا بِشَرْطِ كَوْنِهَا حَامِلًا أَوْ لَبُونًا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ وَصْفًا تَابِعًا، وَبَيْضُ الطَّيْرِ كَالْحَمْلِ. وَالثَّانِي يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَا يَضُرُّ التَّنْصِيصُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الْجِدَارَ بِأَسَاسِهِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ، بِأَنَّ الْأَسَاسَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْجِدَارِ فَذِكْرُهُ ذِكْرٌ لِمَا دَخَلَ فِي اللَّفْظِ فَلَا يَضُرُّ التَّنْصِيصُ عَلَيْهِ، وَالْحَمْلُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي مُسَمَّى الْبَهِيمَةِ، فَإِذَا ذَكَرَ فَقَدْ ذَكَرَ شَيْئًا مَجْهُولًا وَبَاعَهُ مَعَ الْمَعْلُومِ، وَدُخُولُهُ تَبَعًا لَا يَسْتَلْزِمُ دُخُولَهُ فِي مُسَمَّى اللَّفْظِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ الْجُبَّةِ بِحَشْوِهَا لِدُخُولِ الْحَشْوِ فِي مُسَمَّى الْجُبَّةِ فَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ تَأْكِيدٌ كَمَا مَرَّ فِي الْأَسَاسِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَاوِ أَوْ بِالْبَاءِ أَوْ مَعَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي أَثْنَاءِ الْأَمْثِلَةِ، وَإِنْ فَرَّقَ السُّبْكِيُّ بَيْنَ الْوَاوِ وَالْبَاءِ فَقَالَ بِالْبُطْلَانِ فِي الْوَاوِ وَبِالصِّحَّةِ مَعَ الْبَاءِ.
المتن: وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَمْلِ وَحْدَهُ، وَلَا الْحَامِلِ دُونَهُ وَلَا الْحَامِلِ بِحُرٍّ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَمْلِ وَحْدَهُ) لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ، وَهَذِهِ مُكَرَّرَةٌ، فَإِنَّهُ عَيَّنَ بَيْعَ الْمَلَاقِيحِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (وَلَا) بَيْعُ (الْحَامِلِ دُونَهُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ فَلَا يُسْتَثْنَى كَأَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ (لَا) بَيْعُ (الْحَامِلِ بِحُرٍّ) إلْحَاقًا لِلِاسْتِثْنَاءِ الشَّرْعِيِّ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْحِسِّيِّ، وَلَا بَيْعُ الْحَامِلِ بِرَقِيقٍ لِغَيْرِ مَالِكِ الْأُمِّ، فَلَوْ وَكَّلَ مَالِكُ الْحَمْلِ مَالِكَ الْأُمِّ فَبَاعَهُمَا دُفْعَةً لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَشْكُلُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْحَامِلِ بِحُرٍّ أَوْ بِرَقِيقٍ لِغَيْرِ مَالِكِ الْأُمِّ صِحَّةُ بَيْعِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مَعَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَدْخُلُ فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَاهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَمْلَ أَشْدُ اتِّصَالًا مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ إفْرَادِهَا بِالْعَقْدِ بِخِلَافِهِ، وَبِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ قَدْ وَرَدَ فِي قِصَّةِ جَابِرٍ لِمَا بَاعَ جَمَلَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَثْنَى ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ فَبَقِيَ مَا سِوَاهُ عَلَى الْأَصْلِ.
المتن: وَلَوْ بَاعَ حَامِلًا مُطْلَقًا دَخَلَ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ بَاعَ حَامِلًا) حَمْلُهَا لَهُ (مُطْلَقًا) مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِدُخُولٍ أَوْ عَدَمِهِ (دَخَلَ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ) تَبَعًا لَهَا بِالْإِجْمَاعِ. أَمَّا إذَا كَانَ حَمْلُهَا لِغَيْرِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ وَضَعَتْ وَلَدًا ثُمَّ بَاعَهَا مَالِكُهَا فَوَضَعَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَدًا آخَرَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَفِي أَوَاخِرِ النِّهَايَةِ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ حَمْلٌ وَاحِدٌ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي لِانْفِصَالِهِ فِي مِلْكِهِ، وَبِهَذَا جَزَمَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ مُسْتَدِلَّيْنِ بِهِ عَلَى نَظَائِرِهَا مِنْ الْكِتَابَةِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَمَنْ اسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةَ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فَقَدْ وَهِمَ.
|